سأحاول في هذا الموضوع أن أطرح حقائق تفيدنا في التطرق إلى موضوع المثلية و الإسلام كدين سماوي ، لا بد من التطرق إليها ، قد غفل عنها معظم الناس بسبب جهلهم تارة وبسبب عدم اهتمامهم تارة أخرى ، و بما ان الموضوع شائك و طويل و يحتاج منا طرحه إلى وقت طويل فسأقوم بطرحه على حلقات متتالية في نفس هذا الشريط ليتسنى للقراء متابعتي مع الأيام وصولا إلى الهدف المنشود من البحث .
الحلقة الأولى
بداية لا بد ان نتكلم عن الإسلام كدين سماوي حنيف ، جاء من الله مباشرة عن طريق الوحي إلى قلب النبي محمد ، إيذانا ببدء عهد جديد من الإيمان ، و الارتباط الروحي بين السماء و الأرض .
كلنا نؤمن أن الإسلام دين سلام و حكمة و علم و معرفة ، و أن النبي كما قال جاء معلما و متمما لمكارم الأخلاق ، و أنه جاء مؤيدا بالوحي ، الذي نفث في روعه كتاب الله …الحاوي على الخطاب الإلهي و الحاوي لكل التشريعات المنزلة من السماء إلينا نحن البشر .
و يهمنا أولا أن نتحدث عن روح التشريع الإسلامي ، و نريد أن نؤكد على قضيتين أساسيتين فيه ننطلق منهما إلى الخوض في الجانب الذي يخصنا نحن كمثليين .
القضية الأولى : سماحة الإسلام و خفة أحكامه :
يقول الله عز وجل في كتابه سورة البقرة آية 220 : [ ولو شاء الله لأعنتكم ] : أي لشق عليكم في الأمر ، فالله سبحانه يؤكد في الآية أنه لا يريد المشقة لعباده ، بل يريد أن يفرض عليهم أحكاما سهلة يقدرون عليها .
و يقول أيضا في سورة النساء آية 28 : [ يريد الله ليخفف عنكم و خلق الإنسان ضعيفا ] ، فالله سبحانه يعلم ضعفنا و أننا محكومون بقدراتنا المحدودة على الاحتمال ، فخفف علينا أحكامه ولم يطالبنا بما يشق علينا .
كما يقول أيضا في البقرة آية 185 : [ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ] ، و هو تأكيد من الخالق سبحانه أنه لا يريد تعسير أحكامه علينا .
الآيات السابقة واضحة الدلالة على أنها تأكيد من الله أن سائر أحكامه سهلة و يسيرة على عباده ، و يمكنهم تطبيقها بكل يسر و سهولة لئلا يكون لهم حجة و عذر في الابتعاد عنها .
القضية الثانية : التأكيد على المنهجية العلمية في التفكير الإسلامي :
حيث جاءت الآيات الكريمة لتؤكد على أن الإسلام دين العلم و المعرفة ، و أنه ضد الجهل و التخلف و التطرف و الكراهية …و الآيات القرآنية في ذلك كثيرة كقوله تعالى في سورة العنكبوت آية 49 : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ) .
و لكن كيف تتوافق المبادئ السابقة مع تحريم مشاعرنا المثلية ؟ مشاعرنا التي لا يمكننها التحكم بها و دفعها ، ولا يمكننا أن نعيش بدونها ؟ …
من أين جاء التحريم ؟ سيقول قائل التحريم واضح من قوله تعالى في سورة الأعراف آية 81: [ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ].
لكننا نلاحظ هنا أنه وصفهم بالإسراف على فعل كانوا يقومون به ، و هو الاكتفاء بالرجال عن النساء …فماذا يعني هذا ؟؟
لقد فسر المفسرون هذا الكلام على أنه تحريم قاطع للممارسة المثلية ، و نلاحظ أن هذا التفسير مناقض لمفهوم الآية الواضح ، و هو أن اكتفاء الرجال بالرجال و عدم اقترابهم من النساء هو الأمر الموصوف بالإسراف ، و ليست الممارسة المثلية بحد ذاتها …
و المفسرون بالطبع لا يعنيهم موضوع المثلية بل ينكرونه بجهلم به ، و لا يهمهم أن يحرموه بين الناس بسبب سوء فهمهم للآية الكريمة …لأن معظمهم لا يعاني منه .
أما قوله تعالى في الآيات 28 - 29 من سورة العنكبوت : [ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ] …
هذه الآية مكملة للآية السابقة ، فهي تؤكد على وصف قوم لوط بأنهم يأتون الرجال كصفة خاصة بهم مع قيامهم بمنكرات كثيرة في ناديهم ، ونلاحظ كيف فصل كلمة المنكر عن تعبير إتيان الرجال ، فالمنكر الذي كانوا يقومون به في ناديهم هو بالتأكيد ليس إتيان الرجال على وجه المثلية ، بل شيء آخر كلعب الميسر و أشياء أخرى و الممارسة المثلية العبثية كانت جزءا مميزا لهم ، و إلا لما كان ذكر ذلك بجملة مستقلة ، و قد وصف أعمالهم مجملة بالفاحشة في بداية الكلام ، و هي لا تعود بالطبع على موضوع إتيان الرجال بشكل مستقل كما فهمها المفسرون ، بل على كل الجمل التالية لها كما هو واضح .
و أما قوله تعالى عن قوم لوط في سورة الحجر آية 72 : [ لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون] ، فهي جزء من الآيات :
[وَجَآءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنّ هَؤُلاَءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ * قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ]
نلاحظ أن وصف قوم لوط بالعمى في سكرهم ، وصف لحالتهم المنكرة ، حيث قدم لهم بناته للزواج بهم ، و هو لا شك يعلم أنهم سيكتفون بهم بدلا من مهاجمة الملكين في بيته و اغتصابهما عنوة ، مما يعني أنهم لم يكونوا مثليين خالصين ، بل كان يمكنهم إقامة علاقة حب مع الجنس الآخر ، وهم يرفضون ذلك ، ثم يهاجمون بيت النبي و يمنعونه من استقبال أحد ، و وضعوه في الحجر ، فهل أقل ما يوصف به عملهم الشنيع هو العمى في السكر ؟ إنهم بأفعالهم هذه بلا شك مجرمون يستحقون أشد أنواع العقوبة
** منقول.