لماذا صمت القرآن عن السحاق (أي العلاقة الجنسية بين الأنثيين) في حين أنه أشار إلى مجالات متعددة من الممارسات الجنسية؟
لماذا صمت القرآن عن السحاق في حين أنه أشار إلى اللواط (على إفتراض أن اللواط هو العلاقة الجنسية بين ذكريين)؟
إن هذين السؤالين يستمدان مشروعيتهما من تصور القرآن لنفسه ومن تصور المسلم للقرآن,فإذا كان القرآن كتابا إلهيا حكيما فلا يجوز لقارئه التساؤل عما ورد فيه ولا التساؤل عن كيفية ما ورد فيه فحسب وإنما يجوز لقارئه التساؤل عما لم يرد فيه من الممكن وروده,ولا نغفل في هذا المجال الإشارة إلى ان البعض قد شكك في صمت القرآن عن السحاق معتبرا أنه المقصود بالفاحشه في قول الله تعالى “واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدو عليهن أربعة منكم…” (النساء 4/15)
على ان كلمة “الفاحشة” هي من الكلمات العامة التي يمكن أن تخصص بكل “فعل تعظم كراهيته في النفوس ويقبح ذكره في الألسنة حتى يبلغ الغاية في جنسه” ولهذا العموم فإننا لانرى أي موجب لتخصيص “الفاحشة” بالسحاق في غياب دليل لغوي أو نقلي بل إننا لو إفترضنا جدلا هذا التخصيص الغائب وقبلنا جدلا أن الفاحشة تشير إلى السحاق فإن هذا هذا الإقرار الإفتراضي لن ينفي مشروعية تساؤلنا السابق بل سيحوله إلى تساؤل مشابه هو: لماذا أطنب القرآن في الإشارة إلى اللواط في حين لم يشر إلى السحاق إلا مرة واحدة باستعمال كلمة عامة لاتخصه البتة؟
من المهم أن نذكر أن القرآن لم يخاطب مجموعة النساء قط وإنما اقتصر على خطاب مجموعة الرجال حتى في المسائل التي تهم الإناث على أن هذه المسائل كانت دوما متصلة اتصالا وثيقا بالتنظيم القضيبي للعالم الذي يجعل المرأة موضوعا لمتعة الرجل, ولذلك يمكننا أن نقر منذ الآن أن لاوجود في القرآن لمسائل تهم المرأة بمعزل عن الرجل, فالحيض يطرح باعتباره أذى يلزم الرجال إعتزال النساء أثناءه, أما الزواج والطلاق والعدة فهي كلها مسائل تهم المرأة ولكنها تهم الرجل أيضا, ولا يشير القرآن إلى امتناع المرأة عن الصلاة أو الصيام أثناء المحيض, وهي مسألة خاصة بالمرأة دون الرجل فلا نستفيدها إلا من السنة النبوية. فهل يسمح لنا هذا كله بأن نفترض أن سكوت القرآن عن السحاق ليس سوى وجه من تغييب المرأة مستقلة عن الرجل في القرآن؟ وهل يندرج هذا التغييب في إطار ما يتجاوز القرآن من سنة ثقافية كاملة في العصر الوسيط لا تعتبر المرأة كائنا مستقلا وإنما تنظم العلاقات الجنسية على أساس جندر طراز وجندر تابع؟ أم هل السكوت عن السحاق متصل بعدم إحاطة الدال بالأنثوي مثلما تطرحه مقاربات التحليل النفسي؟ إن لاكان مثلا يبين أن الدالة القضيبية تعبر عن الرجل ولكنها تعجز عن تمثيل الأنثوي تمثيلا كاملا, فيصرح أن المرأة لاتكون إلا مقصاة بطبيعة الأشياء التي هي طبيعة اللغة.
ولكن ألا يمكن أن يكون الصمت عن السحاق لغة أي دالا, وجها من وجوه تغييبه لأنه ممارسة جنسية تقصي الرجل فتكون بذلك خارجة عن التنظيم القضيبي للعالم الذي يجعل المرأة موضوع متعة الرجل؟ وألا يمكن أن يكون الصمت عن السحاق لغة مرده أنها ممارسة لاتشكل خطرا بالنسبة إلى منظومة الحفاظ على النسب الأبوي؟ إن تغييب السحاق قد يكون استهجانا (لا تستأهل ممارسة جنسية خارج التنظيم القضيبي الإشارة إليها) وقد يكون استنكارا (“تعاقب” ممارسة جنسية خارج التنظيم القضيبي بعدم الإشارة إليها) وفي الحالتين سواء أكان تغييب السحاق استهجانا أم استنكارا فإنه في الحالتين إقرار بنمط جنسي طرازي لا يتصور سواه.
إن تغييب السحاق يكشف عن مفارقة عميقة وهامة في الآن نفسه ذلك أن السحاق من منظور الاستهجان علاقة تافهة لاتندرج ضمن التنظيم القضيبي وكل ما لايهم الرجل لايهم الإنسان إذ ليس الإنسان سوى الرجل, ثم إن السحاق علاقة تافهة لأنها لاتهدد النظام الاجتماعي القائم على حفظ النسب. ولكن السحاق نفسه من منظور الإستنكار علاقة شنيعة لايمكن حتى الإشارة إليها, كيف لا وهي تقصي الرجل.