منذ أكثر من ستين عاما،فتاه تدعى فردوس تجد نفسها متيمة بالنساء- كما قالت عنها أحد صديقاتها- وهذا لم يكن فقط غير مقبول،بل غير معهود أو معروف في مجتمعها؛كقرية صغيرة في قلب مصر.
أصبحت فردوس إمرأة جميلة وناضجة ،ثم تزوجت من رجل،وعادت تبحث مجددا وتكتشف رغباتها الجنسية تجاه النساء.“كانت كما اعتدت أن أنعتها بالمرأة الشرسة” كذلك صرّحت صديقتها ،شريفة إسماعيل،وهي مثلية أيضا ،وصديقة مقربة من فردوس،عملا معا لأكثر من عشرين عاما.قالت أيضا"لقد كانت كل شيء قد رغبنا في وجوده؛جميلة،لطيفة،أنثوية،وشرسة أيضاً".
في عام 1963،خلال فترة زواجها،قامت فردوس بعمل اجتماع للمثليات التي استطاعت جمعهن في مصر،وكان-لأول مرة-بمقدور هؤلاء النساء المثليات أن يتواجدن في مكان واحد غير شاعرين بالإحراج، العار،أو الخوف.
بالطبع ،وبفكر كهذا،قامو بتكرار تلك التجربة لعدة مرّات.ثم أصبح اجتماعا شهريا.وبعد مرور عام من بعد الإجتماع أو اللقاء الأول،قررن-النساء في تلك الجمعية-بجعل هذا الإجتماع أكثر رسمية.فقامو بتسميته ب"الحمد".
قالت شريفة"وفي عام 1979-تقريبا-عندما قام أحد اصدقائي بتقديمي لنساء الجمعية،ربما كانت نقلة صعبة بالنسبة الي،ولكن كان الأمر يستحق،وكنت أحضر إجتماعهن النصف سنوي".
وفي عام 1987،أصيبت فردوس بمرض تلوث الدم بالأمونيا،وتوفيت إثره."بالطبع كان يوما حزينا لنا جميعا-نساء الجمعية-وكنا كل يوم نقوم بوقفة حداد على روحها،فقد كانت شابة،وكانت تستحق أن تحيا حتى مائة عام"صديقتها شريفة.
بعد وفاة فردوس،قامت صديقتها-المثلية أيضا- إستقلال أحمد ،بالقيام بالجمعية وأمورها كما ذكرت"لم يكن سهلا بالمرة" وهي المنظم الرئيسي لجمعية الحمد،حاليا،فتقول"كنت أكبرهن سنّا،لذا قمن نساء الجمعية بإختياري،وحقيقة،لم تمتلك أحدنا الموهبة والبشاشة التي كانت عليها فردوس،كانت من هؤلاء الأشخاص الذين يضعون الإبتسامة على وجهك، بمجرد النظر اليها وهي تتحدث".
وكانت جمعية الحمد شبه سرية وليس بمقدور أي أحد الإنضمام اليها او حضور أحد إجتماعاتها.فكانت تحدث تلك الإجتماعات في أحد منازل أعضاء الجمعية بشكل دوريّ.على سبيل المثال،سيدة تدعى فاطمة،وهي أحد اعضاء الجمعية،قامت بإستضافة اجتماعهن الشهري لمدة الثلاثة أشهرالأخيرة من لقاءات الجمعية.كان عدد نساء الجمعية حينها اثنان وخمسون سيدة،وكنا على ثقة ومعرفة وطيدة،كما ذكرت استقلال.وعندما كان ينضم الينا افراد جدد،كان هذا أن أحدهن على ثقة ومعرفة بالعضوة الجديدة.
ثم ذكر الباحث"في الواقع،كانت جمعية الحمد سرية لدرجة ان الناشط أبو عمر،وهو ناشط لحقوق المثليين العرب،والمقيم بالقاهرة،لم يكن على علم بها.أبو عمر ،والذي كانت له صديقة مثلية،لم يكن على علم بهذه الجمعية حتى قمت بتقديمه لهن ليقوم بمساعدتي في كتابة هذا التقرير كوسيط.قال أيضا انه لم يكن أن يصدق حتى تواجد في منزل كبير به الكثير من النساء المثليات،بعضهن لهن مظهر ذكوري(butch)،والأخريات ذوي مظهر أنثوي،كما ذكرت استقلال،أن الإجتماع احتوى على أنماط مختلفة من المثليات حينها".
وبالنسبة للشؤون المالية لهذه الجمعية،فهي قصة أخرى مثيرة،تقوم نساء الجمعية بالتبرع بما يقدرن عليه واعطاءه للسيدة التي تقوم باستضافة الإجتماع.ولم يكن التبرع اجباريا بقدر معين من المال،كما ذكرت استقلال.وأغلب الاجتماعات كانت تحدث في القاهرة أو أسيوط،حيث مسقط رأس استقلال-بيت ريفي-فتقول استقلال"كنا نضع صندوقا في مكان بعيد عن الأنظار ، لا يستطيع أحد رؤيته،حيث يكون بإمكان كل سيدة بالتبرع بما تستطيع دون حرج".
كما يحصلن على مبالغ صغيرة من المال ،من الخارج،عن طريق أعضاء الجمعية القدامى.على سبيل المثال،تقوم شريفة،وهي تعيش حاليا بكندا ،ومريم وهي تعيش بألمانيا ،بإرسال مبالغ مالية داعمة لإستمرار هذه الجمعية.مثال على ذلك في عام 2003 قامت مريم،شريفة،وزليخة والتي تعيش في بريطانيا، بوضع مبلغ بمقدار 2500 دولار أمريكي كمحصلة.حتى يستطعن استئجار ياخت نيلي للإحتفال بعيد تأسيس الجمعية الأربعين لنفس السنة،وحتى لا يكون لأي أحد شأن بهن.“استمتعنا بهذا الإحتفال كثير” كما ذكرت استقبال،والتي قامت بتنظيم هذا الإحتفال هي وأخريات،فقالت أيضا" شعرنا أنها حفلة زفاف،من كثرة التواصل الإنساني المعنوي الذي كنا فيه،والدعم المعنوي الذي تلقيناه من عضوات الجمعية،كما كنا شاكرين جدا لبقائنا طوال هذه الفتره".
لم تكن “الحمد” مجرد جمعية تقوم بالإحتفالات وحسب.ولكن في عام 2001 تم القبض على سيدتين تنتميان للجمعية في الحادثة المشهورة(Queen boat) والتي وقعت عام 2001 لشهر أيار؛حيث تم القبض على مجموعة من الشباب المثليين جنسيا.ولم يتم ذكر القبض على نساء مثليات في تلك الواقعة مطلقا.وكما ذكرن،فقد قامت احداهما بجلب رجلين ليدعيا أنهما أزواجهن لتقوم النيابة بالإفراج عنهن.وقد حدث.
وفي عام 2002،عندما احتاجت أحد عضوات الجمعية لعملية جراحية خطيرة،تكاتفت نساء الجمعية وقمن بعلاجها في مستشفى من الدرجة الأولى بدبي على نفقتهن الخاصة.فقالت استقبال"شعرنا بالسعادة أننا كنا بإستطاعتنا مساعدة أختنا،وأنا شخصيا سعيدة لوجود هذه الروح العائلية في مجموعتنا".
ولم يقتصر نشاط الجمعية على مصر فقط،بل تجاوز مصر ليصل الى ليبيا،فقد قامت أحد عضوات الجمعية بتأسيس فرع آخر في ليبيا وذلك عام 1994.هذا الفرع الآخر من الجمعية به أكثر من عشرين شخصية مؤثرة وبارزة والذي يقع بالعاصمة الليبية،طرابلس.وكان الفرع الرئيسي بمصر يقوم بدعم الجمعية الليبية بشكل أساسي.
“سر نجاح تلك المجموعة أو الجمعية هو سريتها” كما ذكر أبو عمر." انهن نساء ذكيات .لم يستطع أحد أن ينتابه الشك اتجاههن من قبل.وأنا أدعم بقاء تلك الجمعية سرية،لأن وجودها يضع حياتهن على المحكّ.المجتمع هنا قد يتقبل وجود ظاهرة المثلية في الرجال أكثر من تقبلها في النساء.فقد يتعرضن للتهديد،ناهيك عن تعرض عوائلهن للإنتهاك من قبل الحكومة".
وأخيرا،تقول استقلال،أنهن عندما كن يقمن بإستئجار منزل-هذا ان حدث-فيقمن بإخبار المستاجر أنه لعُرس"هو أسهل كذلك".وقد قامت استقلال بعمل اجتماع آخر لإستقبال شهر رمضان أيضا،فتقول" العرب فضوليون جدا،دائما ما يطرحون الأسئلة ولا يحترمون خصوصية الآخر.فيجب عليك ان تخبرهم بشيء.نحن نحاول جعل تجمعاتنا وإحتفالاتنا تلك خاصة ،محدودة وسرية للغاية،لا نريد موكبا أو ضجة لتلك المناسبات الخاصة".
ونحن في صدد التواصل مجددا مع هذه الجمعية لمتابعة نشاطها.
ترجمة :داليا الفرغل
محررة بموقع أهواء.Ahwaa.org
نقلا عن تقرير بعنوان"A few good women" ،بواسطة الكاتب أفضر جاما،2003.
"بالتعاون مع جمعية "بداية
،قوموا بزيارة الموقع للتعرف على نشاطات هذه الجمعية الفعالة والواعدة على الرابط بالأسفل:
http://bedayaa.webs.com/
.