في أحد أحياء فاس القديمة، حيث الأزقة الضيقة تتشابك كأسرار الناس، عاش “ياسين”، شاب في الخامسة والعشرين من عمره، هادئ الطبع، يشتغل في مكتبة صغيرة داخل المدينة العتيقة، يحب الكتب لأنها كانت دومًا عالمًا يهرب إليه من واقعه.
منذ مراهقته، شعر ياسين بأنه مختلف، إحساسه لم يكن كإحساس أصدقائه تجاه الفتيات. كان يحاول أن يقمع هذا الشعور، يخفيه في صلواته، في دموعه التي لا يراها أحد، في ليله الطويل حين يتساءل: “هل أنا وحدي؟ هل هناك من يشبهني؟”
في يومٍ من أيام الشتاء، دخل المكتبة شاب يُدعى “آدم”، من الدار البيضاء، يزور فاس لأسبوع، يهوى قراءة الشعر الصوفي. كان آدم أنيقًا، واثقًا، يملك تلك النظرة التي تقرأك بصمت.
تكرّرت الزيارات، وبدأت بينهما أحاديث عن الحب، الحرية، والقيود. شيئًا فشيئًا، بدأ ياسين يخرج من قوقعته، يُسمح لنفسه أن يشعر، أن يبتسم، أن ينظر لآدم بطريقة مختلفة.
في إحدى الأمسيات، وبين رفوف الكتب، مدّ آدم يده بلطف ولمس يد ياسين… لحظة قصيرة، لكنها زلزلت عالمه. لم يكن مجرد لمس، بل كان اعترافًا صامتًا: “أنا أفهمك… وأنا مثلك.”
لكن الواقع في المغرب قاسٍ. الخوف، القانون، نظرة الناس… كل ذلك جعل ياسين يتراجع، يهرب من مشاعره، من آدم، من نفسه. لم يجرؤ على أن يعيش الحب كما تخيله في الروايات.
غادر آدم فاس، وترك له رسالة داخل كتاب:
“لا تخف أن تكون ما أنت. الحب ليس جريمة. يومًا ما، ستجد مكانًا لا تضطر فيه أن تختبئ.”
ومنذ ذلك اليوم، لم يعد ياسين يبتسم كثيرًا، لكنه كان يحمل بداخل قلبه وعدًا… أن يعيش يومًا ما، لا فقط أن يتنفس.