بمناسبة اليوم المصري لمناهضة التمييز صذ مثليي/ات الجنس
في الواقع أن الإطار القانوني لاضطهاد المثليين قد أرسيت دعائمه قبل عام 2001 اى قبل قضية “كوين بوت” بنحو خمسين عاما. فأول مسألة علينا أن نفحصها هي: كيف جرى تجريم العلاقات الجنسية ما بين الرجال في مصر؟ ما زالت السلطات المصرية مصرة منذ عام 2001 على الزعم بإنه لا وجود لأي قانون يجرم المثلية الجنسية. فقد زعمت الحكومة مثلا، في رد لها على انتقادات وجهها خبير من الأمم المتحدة لقضية “كوين بوت”، أن قانونها لا يوجد فيه “أي نص يجرم الشذوذ الجنسي”. أما في عام 2003، قال رئيس مجلس الشعب أمام البرلمان الأوروبي إن: “القانون الجنائي المصري لا يتضمن أي عقاب للمثليين، حيث إن قانون البلد لا يتدخل بأي شكل في شئون الأفراد الخاصة”.
هذه المزاعم ليست صحيحة، فالقانون المصري يجرم السلوك المثلي فعليا منذ أكثر من خمسين عاما. و المادة التي تستخدم في تجريمه هي المادة 9/ج من مكافحة محاربة الدعارة (القانون 10 لعام 1961) الذي جرى سَنّه قبلها بعشر سنوات، وهو ينص على معاقبة “اعتياد” ممارسة الفجور و الدعارة بالسجن ثلاث سنوات بالإضافة للغرامة. وتعني كلمة “دعارة” عموما الجنس التجاري، أما كلمة “فجور” فنطاقها أوسع من ذلك بكثير، وتشمل فكرة الفحشاء بشكل عام.
أن سن هذا القانون بلغته هذه جاء على عجالة لحماية الأخلاق في فترة انتهاء الاستعمار. ففي ذلك الحين، أراد البرلمان في عجالة أن يمنع الدعارة، حيث أنها كانت تمثل في نظر البرلمانيين الخضوع الثقافي إلى جانب ما فيها من خطيئة، وبالتالي سن البرلمان قانونا يمنع كمّا أكبر و أعم من الأفعال. وعندما احتار المشرعون بين معاقبة الدعارة و منع الزنا بشكل عام، قالوا إنهم يقصدون بكلمة “الدعارة” معاقبة فسق النساء، أما كلمة “الفجور” فأرادوا بها معاقبة فسق الرجال. بذلك أصبح مصطلح “الفجور” آداة للإدانة الأخلاقية أكثر منه مصطلح قانوني دقيق. وصارت للمصطلح استخدامات غير متوقعة، حيث أن المحاكم و النظام الجنائي هم الذين قرروا ما هو فسق الرجال، و ركزوا على السلوك المثلي بشكل خاص.
وفي العقود التي تلت تلك الفترة، كان يُطلب من محكمة النقض بشكل متكرر تعريف “الدعارة” و “الفجور”، وصلتهما بالبغاء (تقاضي مقابل مادي للعملية الجنسية) بمعناه الضيق. وجاء أهم حكم في عام 1975: كانت شرطة الآداب قد داهمت منزلا خاصا، وضبطت رجلا متلبسا باختراق رجل آخر. وجهت النيابة تهمة الفجور إلى الطرف السلبي، الذي قال إنه قد اعتاد ممارسة الجنس مع الرجال، لكن دون مقابل مادي. ورغم ذلك، قضت محكمة النقض بأن الرجل مذنب. وترتب على ذلك الحكم فصل “الفجور” قانونا عن "الدعارة "، وربطه بالسلوك المثلي ما بين الرجال:
صرح المُشَرِّع تحديدا بأن هذه الجريمة [اعتياد ممارسة الفجور] تقع عند ممارسة الفحشاء مع الناس بدون تمييز، وعند حدوث هذا اعتياديا. ولم يُلزِم لمثل هذه التهمة أن يكون ممارسة الفجور نظير مقابل مادي
وتشير أحكام المحاكم المصرية إلى ذلك الحكم مرارا و تكرارا لتبرير الحكم على الرجال بتهمة ممارسة الجنس مع الرجال بدون مقابل.
وبذلك، انفصل مصطلح “الفجور” عن مصطلح “الدعارة” في حد ذاتها، وأصبح يعني السلوك المثلي بين الرجال بدون مقابل. خلال تلك العملية اختلف القانون رقم 10 لسنة 1961 في تطبيقه على الرجال عن تطبيقه على النساء، بل إن التطبيق على الجنسين كان يسير في اتجاهين متناقضين تماما. تكررت احكام المحاكم القائلة بأنه لا عقاب. للجنس بين المرأة و الرجل -حتى إذا كانت يمارس بشكل “اعتيادي” أما الجنس بين رجلين فيعاقب عليه القانون، حتى إذا كان بدون مقابل مادي. أما مصير الشريك في العملية الجنسية فكان مختلفا هو الآخر تمام الاختلاف. تقع عقوبة الدعارة على البغي وحدها. فالقانون لا يعاقب إلا المرأة على ذلك. أما الرجل الذي يدفع أجرها فتعتبره المحكمة بريئا، و عادة ما يعود الرجل الذي يضبط متلبسا مع امرأة إلى بيته سالما بعد أن يشهد ضد المرأة التي كان يطارحها الجنس.
ويبدو أن نفس النمط كان يطبق في قضايا “الفجور” أصلا، حيث كان الطرف “السلبي” يعتبر “فاجرا”، أما “الإيجابي” فكان يعتبر “راغبا في المتعة” وبريئا نسبيا. وفي قضية 1975 الوارد ذكرها سلفا، ضبطت الشرطة رجلين في حالة تلبس بالمعاشرة: زج بالشخص السلبي إلى المحكمة وحكم عليه بالحبس 6 أشهر بتهمة “الفجور”، بينما شهد ضده الرجل الايجابي الذي عاشره ثم عاد إلى بيته.
وما نراه في هذه الأحكام ليس فقط تأثير قضايا الدعارة، بل يظهر فيه أيضا تناول فكري للأدوار الجنسية، بحيث يزداد الدور (من حيث الاختراق) أهميةً عن نوع الطرف المختَرَق (من ذكر أو أنثى). فنوع الطرف المرغوب فيه من ذكر أو أنثى لا يهم، فالأهم هو ما إذا كان الشخص يمارس الاختراق (محتفظا بذلك بذكورته ورونقها) أم يخضع للاختراق (وبذلك يفقد صلاحياته و قوته بشكل رمزي و اجتماعي). لكن ما يحدث الآن في قضية تلو الأخرى هو الحكم على الرجال بتهمة الفجور إذا مارسوا الجنس مع الرجال، بصرف النظر عن دورهم في المعاشرة. وبذلك جرى تجريم الطرفين في عملية الجنس بين الرجال.
ان جذور هذه النقلة موضع نقاش، فهناك تغييرات تحدث تحت السطح في المفهوم الاجتماعي للجنس في مصر، ونشأت رؤية توحد بين الطرفين “السلبي” و “الإيجابي”، بحيث يشتركان في وصمة عار واحدة. وقد لعبت الأنماط الغربية دورا في نشأة هذه الرؤية بمصر. فهذه الأنماط الغربية تفضل تعريف الدور الاجتماعي للجنس بناء على نوع الشريك في العملية الجنسية، لا بناء على الدور في المعاشرة. لكن التغيير الذي طرأ على النظرة للجنس في مصر لا يمكن إرجاعه فقط لتأثير هذه الأنماط الغربية. و الحقيقة إن التطور القانوني هو التطور المنطقي الذي أدى لإلغاء العنصر التجاري –أي تقاضي مقابل مالي للجنس- الذي كان شرطا ضروريا في قضايا الفجور. أن دفع الأموال يحدد دورين مختلفين: البائع والمشتري –إلى جانب الأدوار الجنسية. ولما غاب هذا العنصر المالي، ازدادت قابلية سقوط الطرفين في هوة الاتهام بدون تمييز بينهما.
ببساطة: أصبحت كلمة “الفجور” في القانون المصري تدل على العلاقات المثلية ما بين الرجال بصرف النظر عما إذا كانت تجارية أم لا. و يتطلب القانون شرط “الاعتياد” – أي إن القانون يجرم ممارسة الفعلة لأكثر من مرة خلال ثلاث سنوات مع اكثر من شخص.
ويذكّرنا تطور تاريخ هذه المادة بقانون آخر لا تذكره كتب القانون: وهو قانون الحياة الذي يقول إن الأفعال قد تنتج عنها نتائج لم تكن في النية ولا الحسبان. فالمشرعون سنوا قوانين –خوفا من البغاء- أصبحت تستخدم بقسوتها و شمولها فى حالة ذعر أخلاقي جديد في ألفية جديدة. فاليوم، تشكل المادة 9/ج من القانون رقم 10 لسنة 1961 الأداة المصرية الرئيسية في معاقبة السلوك المثلي بين الرجال.
إلى الحكومة المصرية
• يجب الاعتراف بجسامة مشكلة اضهاد المثايين/ات السيئة في مصر، والالتزام علناً بتنفيذ سياسة عدم التسامح المطلق مع جميع أشكال الاضهاد اللاإنسانية والمهينة.
• يجب إصدار والإعلان عن توجيهات، من أعلى مستويات السلطة، بما في ذلك الرئيس، بأن الحكومة لن تتسامح مع كسر حقوق الانسان ، وأنها ستفتح تحقيقات فورية ومستفيضة في تقارير انتهاج حقوق الانسان العامة والشخصية.
• يجب وضع حد على الفور للاحتجاز في مقار مباحث أمن الدولة، وضمان أن مباحث أمن الدولة لا تحتجز الأفراد إلا في أقسام الشرطة والسجون، وان اى شخص تتم توجية له اى اتهام
.سوف يخضع للمحاكمة العادلة
• .يجب توجيه النيابة العامة إلى التحقيق بشكل مستفيض ونزيه وسريع في جميع مزاعم الاضهاد المواجة للافراد بسبب ميولهم الجنسي
• .يجب تعديل تعريف كلمة الفجور العام بالقانون المصري الوارد في المادة 10 لسنة 1961 ، بحيث يصبح متفقاً مع جميع المواثيق الدولية بم فيهم الميثاق العالمى لحقوق الانسان
.