لا تقتليني… لا تقتلي ذكراي
فانا الطائر الوحيد الذي لايزال يحفظ وجهك
برغم مرور آلاف الوجوه الكثيرة
كيف اكون الطير الذي يقيد جناحيه
و يجلس على ذاك الكرسي بجوار عازف الكمان
كي تعرفي مكانه و تأتي لزيارته
يجلس منتظرا بل ويكره انتظاره ليلا
و يتوق للطيران صباحا فيفعل
وفي وقت الغسق…
لا يزوره أحد سوى ذكراك…
فيعود لكرسيه بجوار عازف الكمان
يحتري وجهك بين العابرين
ثم يذوب فكره بالمعزوفة
وتصبح لغته تنطق بالموسيقى
يسهر بجوار عازف الكمان
يشدو حنينه و يعزف انينه
وينام برفقة البرد و طيفك الرفيق
لا يزال طيفك اكرم منك و انت اقسى
لم يتركني انام وحدي ،لم يتركني انسى
وعند بدء رطوبة الفجر أثناء تلاشي النعاس
يشدو الطير أغانيه التي كتبها عنك
ويعزم لأن يزورك طالما لم يجدك بين الحاضرين
يفك وثاق قدميه و جناحيه و يطير
يداعب نسيم الضحى قلبه وطيفك يطير بجواره
يبشره بلقاء الهيام و يؤكد له الاشتياق
يسرع الطير عزما وكأنه فاز السباق
ويقف أعلى البناية المقابلة لبيتها
يراقبها كيف ترحب بشمس النهار
تسكب قهوتها التي حرم نفسه منها
مخافة منه أن يتغير طعمها من دونها
تقرأ جريدتها وتلتفت لجوارها
لم يرى الطير ما كانت تلتفت لأجله
فغير الزاوية التي كان يقف عليها
فإذا به يقبل خدها هامسا صباح الخير
و خاتمه يلمع في ضوء الشمس
أثناء احتضان يدها للفنجان
فاحتضن الطير نفسه بجناحيه
و همس لنفسه صباح الخير
صباح الخير يا انا …
و نظر بجانبه محدثا طيفها
فلم يكن هناك إياه
وحده كان هناك برفقة النسيم البارد
في تلك اللحظة ، حل الشتاء
و بدأت ندفات الثلج في السقوط
لتخفي اخر شعاع تبقى للشمس
وللحظة تجمدا جناحيه و تبلد
لو يعرف الطيران بعد الان
فأخذته ريح قوية تدفع به
و تركها تحمله لما هو مقدر له
لم يكن يقوى المقاومة
رأى وجهها لآخر مرة قبل أن يسقط
كأنه ينتقم من ذاته ويلزم نفسه
كي لا يلومها … لا يمكنه لومها
كان طيفها برفقته صباحا ، لم تتركه
و سقط أرضا …
مارا بجواره العابرين ، لم يلتفت لسقوطه أحد
حتى اقترب منه عازف الكمان … واخذ يبكي
لم يراوده شعور البكاء … كانت دموعه تنهمر وحدها
وأخرج من جيبه ورقة من اشعار الطير
و وضعه بها متناسيا من حوله … يغني له أغنياته
وبقي على ذلك الرصيف تأبينا الطير رفيقه
يعيد غناء أشعاره برفقة الكمان الحزين
حتى مرت … و استوقفتها كلماته…
كانت تعرفها جيدا … فقد كانت تسمعها بطيفها
الذي كان يلازم الطير في كل مكان …
لكنها لم تلتفت خوفا مما ستراه
بعدما سمعت نبرة عازف الكمان الحزينة
فسقطت دمعة من عينها …و قالت بدون التفات
" كنا نظن أن الحياة ستعطينا فرصة أخرى "
فسكت عزف الكمان و الغناء …
تقدم نحوها العازف بورقة عليها
اخر تاريخ دونه الطير … وفتحتها و قرأت بهمس
“لا تقتليني …لا تقتلي ذكراي”
الطائر الوحيد
يؤسفني ايها الطير
يا من رحلت خوفا من العيش بدونها
إبلاغك أنني اقتربت منها و رأيتها
لم تكن لتختلف عن غيرها
بل كانت غيرها
غير طيفها الذي رافقك جوا
كنت تراها من بعيد
من السماء و هي في الحقيقة
اقرب من الأرض
كنت تهيم بها شوقا و هي
يعاني من صقيعها البرد
لا شىء سوى …
سوى اللاشئ
مجرد ومضة في السماء
كررتها عيني املة في ضوء ترى
خطأ مطبعي
وظننته ابداع من فنان تركها و سرى
لم اع أنها تحب صخب الموسيقى
كي لا تسمع اشعارك عنها
ترمي كلماتك كحطب المدفاة
ليدفأ قلبها و ليحترق قلبك
الذي سكبته بتلك الكلمات
التي لم تعبأ هما لتقرأها
لم تكن أمينة على احساسك ايها الطير
و دموعها التي ذرفتها بجوار تابينك
كانت حزنا على فراقها لنفسها
لشعورها …
كنت فقط تذكرها بوجود المشاعر و الحب
هي لا تعرف بوجودك شيئا
لا تعترف سوى بوجودها …
يؤسفني اعلامك بسنوات هباء
ولكم تركت من الوقت بالماضي يضيع
ولكني حين اقتربت منها… وجدتها كالجميع