حقيقة المثلية الجنسية في الإسلام..... وهل الإسلام في صراع معها؟؟ (4)


#1

نلاحظ مما سبق أن الفقهاء قد تشددوا في الأحكام بمرور السنين و صاروا يبحثون عن الحكم الشرعي لأي فعل سواء كان له حكم في النص القرآني أم لا ، بل صاروا يعتمدون على النصوص الحديثية الضعيفة ليبنوا لنا أحكاما شرعية تقيدنا في كل شيء ، و ظهر بعض المتشددين منهم كأحمد بن حنبل الذي رفض أن يأخذ أي حكم شرعي إلا من نص ولو كان ضعيف النسب إلى النبي .
و لكن لماذا ظهر هذا التشدد في الأحكام الدينية ؟
بحسب الدراسات التاريخية و الاجتماعية فقد كان وراء التشدد هو ظاهر التدين التي تعكس الواقع الاجتماعي المزري لتلك العصور حيث انتشر الجهل والفقر بين الناس و سيطر الحكام بالقوة على الشعوب و حكموهم بالسيف المسلط على رقابهم ، و تدل الثورات الشيعية و ثورة القرامطة الاشتراكية و ثورة الزنج و الثورات العديدة جدا كلها تدل على النقمة الشعبية العارمة على الوضع القائم آنذاك ، و من يقرأ تاريخنا في تلك الفترة يتفهم ذلك جيدا ، حيث عاش الخلفاء في العصر العباسي حياة رفاهية و عاش الشعب في فقر عام ، و كثرت المظالم ، و انتشر الرق بكثرة ، و ظهرت فئات الزهاد بمسمى الصوفية و التي هي مزيج بين تعاليم الزهد العالمي و التعاليم الإسلامية ، و معلوم أن المؤمن عندما يشعر باليأس يتجه للإله الذي يؤمن به ليخلصه مما هو فيه من آلام ، فيسعى إلى التدين و إلى البحث عن تفاصيل الأحكام ظنا منه أن تقصيره الديني هو السبب في سوء ظروفه و معاشه ، هكذا عاش الناس في تلك الفترة و ظهر من يسوق هذه الأفكار و من يستغلها ، فكثر الفقهاء و رواة الحديث لطلب الجاه و المال و الشهرة و المنصب ، و من طلب وجه الله اتجه للتصوف كما فعل الغزالي المتوفي سنة 505 هـ حيث عاش فقيها و مات زاهدا صوفيا .
من هنا كثر التدوين و رواية الحديث و ظهور المدارس الفقهية المختلفة و المتنافسة فيما بينها ، و كان التخلف يسود الجميع ، و كان الشعب يؤمن بالخرافة بشكل كبير ، و يؤمن بكل ما قاله السلف ، فأكثروا من الرواية و التدوين و صاروا يتوارثون ذلك عبر القرون ، و قام من بعدهم بالاعتماد على تلك النصوص دون تمحيصها ، بل قاموا بشرحها و تبرير التناقض فيما بينها ، ليقنعوا أنفسهم بأن نصوصهم الدينية لا تحوي تناقضا ، و وصل الجهل بهم إلى حد لا يقبله أي جاهل في زماننا ، فقد قرأت في كتاب للإمام السيوطي وهو إمام كبير له 400 مؤلف و هو من القرن التاسع الهجري و يذكر في كتابه معالجة آلام الأسنان الحادة بمسك عود و قراءة آيات من القرآن عليها و رسم بعض الأشكال في الرمل و غير ذلك مما يستسخفه أطفالنا ، و السيوطي هو إمام كبير لعلماء الدين في عصرنا الحالي يرجعون إلى كتبه و مؤلفاته الدينية باحترام كبير و هو صاحب كتب : الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور – و الجامع الكبير – و الجامع الصغير – و جمع الجوامع و مما لا يحصى من الكتب المشهورة التي تعتبر مراجعا لعلماء الدين .
في خضم هذا التفكير الغيبي و الخرافي و تزوير الكثير من الأخبار و نسبتها للنبي محمد نبي الإسلام و خاتم الرسل ظهرت احكام فقهية تفصيلية لأمور لم تكن مذكورة في عهد النبي ، ومنها قضيتنا المثلية .
و من حقنا ان نتساءل : لو كان الله جل و علا لا يرغب بممارستنا المثلية فلماذا لم يضع عقوبة واضحة للممارسة المثلية في القرآن الكريم مع أنه ذكر الزنا صراحة في القرآن ؟
ألا يعتبر فقهيا أن كل شيء مسكوت عنه مباح في الإسلام ؟
وروى الطبراني أيضا من حديث أبي ثعلبة [ إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وسكت عن أشياء من غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها ]
و هو أمر بعدم البحث عما سكت عنه القرآن من الأحكام و هو قد سكت عن حكم الممارسة المثلية فهي من باب الرخصة و المباح .
نعم و بكل تأكيد ، الله سبحانه ذكر في نص الآية [ اليوم أكملت لكم دينكم ] نصا قاطعا على انه انتهى من تحديد الأحكام و الحدود ، و هو لم يتعرض مطلقا للممارسة المثلية ، و لم يذكر حدا لها ، مع أنه ذكر حدودا لكافة الجرائم المعتبرة في الشرع كالزنا و القتل و السرقة و الاعتداء على الغير كما ذكرنا من قبل ، و حتى أحكام الطلاق و الزواج و البيع و الأمور العامة جميعها ، و الخليفة عمر بن الخطاب اكتفى بكتاب الله لعلمه أن ما فيه يكفي الأمة ، و نهى عن الحديث عن رسول الله كي لا يفتري الناس عليه و لأن في القرآن كفاية ، فمن أين جاء حكم قتل الفاعل و المفعول به في الممارسة المثلية ؟
كما ذكرت من قبل : قد جاءنا من حديث منسوب إلى عكرمة البربري عن ابن عباس ، و هو من الرواة الذين اعتمدهم البخاري صاحب الصحيح في صحيحه إلا أن عكرمة هذا متهم بالكذب و بأنه كان يكذب على ابن عباس وقد اتهمه بهذا علي بن عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر بن الخطاب و غيرهما من معاصريه …فهل يجوز قتل البشر على رواية شخص متهم بالكذب ؟
ثم إن حديثه هذا يعارض بشدة الحديث الصحيح و المشهور عن النبي : لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، و الثيب الزاني ، و التارك لدينه المفارق للجماعة .
و الحديث لا يذكر إطلاقا عقوبة قتل المثلي الممارس ، فكيف يجرؤون على بناء حكم بالقتل اعتمادا على نص ضعيف يعارضه نص قوي وواضح ؟ إنها الكراهية بلا شك ، الكراهية لما هو مخالف لهم …و ليس هو التدين و الإيمان …
يتبع في الحلقة القادمة
( ملاحظة الموضوع منقول )