لا بد لنا أن نتطرق هنا إلى موضوع هام جدا يتعلق بتاريخ تدوين الفقه الإسلامي و ظهور الأحكام الشرعية التي لم ترد أصلا في القرآن الكريم استنادا إلى روايات رواة الحديث الذين زاد عددهم بشكل هائل بعد عصر النبوة بوقت كبير .
في عهد النبي محمد لم يسمح هو بنفسه بتدوين كلامه الشخصي إلا بشكل قليل جدا ، و قد أمر بمحو ما كتبوه كما جاء عنه في بعض الأحاديث .
و مع ذلك فقد كتب عنه عبد الله بن عمرو بن العاص و علي بن أبي طالب بعضا من كلامه .
و اكتفى الناس بعد وفاته بالرواية الشفهية عنه بما يحتاجونه في حياتهم اليومية و لتسيير شؤونهم .
بل كان الخليفة عمر بن الخطاب هو اول من عارض وجود نص تشريعي غير القرآن الموحى به من السماء في حياة النبي محمد نفسه ، حيث ورد في صحيح الحديث كما في صحيحي البخاري و مسلم أن النبي كان على فراش الموت و طلب أن يأتوه بصحيفة و محبرة ليكتب كتابا لا يضلوا بعده أبدا فمنع عمر بن الخطاب ذلك و قال يكفينا كتاب الله ، و قد تم لعمر ما أراد ، حيث فضل أن يكون الحكم الفصل بين الناس هو كلام الله الذي لا يخطئ و لو كان الكلام الآخر صادر من النبي نفسه …
و في عهد خلافة عمر نفسه صار الناس يكثرون و يختلفون في الرواية عن النبي ، فنهاهم نهيا صارما عن رواية الحديث النبوي كي لا يتكئوا عليه و يتركوا كلام الله ، و كي لا يختلفوا في الرواية عنه ، و هو يعلم تماما أن القرآن قد جاء بكل شيء ضروري و نافع للأمة فلم يعتمدون على كلام النبي و هو بشر يخطئ و يصيب كما قال هو عن نفسه ؟
عمر بن الخطاب كان فقيها عالما و عارفا بالدين و أولى الناس بمعرفة أصول الدين ، و قد نفذ أحكاما تخالف ما كان عليه رسول الله لضرورات رآها ، و أبطل بعض الحدود لضرورات أيضا كحد السرقة عام الرمادة، و نهى عن بعض الأمور التي كانت في عهد النبي محمد كما جاء في صحيح مسلم في نهيه عن زواج المتعة و متعة الحج …
إذا لم يقبل عمر بكثرة الرواية عن النبي انظر الرابط و تفصيل ذلكhttp://www.ahlalhdeeth.com/~ahl/vb/showthread.php?t=91526
و بظهور الخلافات الدموية على الخلافة الإسلامية في عهد عثمان بعد مقتل عمر بن الخطاب انتشر الصحابة في البلاد و صار كل منهم يروي ما سمعه و شاهده و عرفه و زاد عليه ، و كثرت الرواية و اختلطت واختلفت و تناقضت في بعض الأحيان ، و لم يكونوا بعد يعرفون التدوين بل كانوا يكتفون بالرواية الشفهية حتى زمن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي الذي حكم بين 99 و 101 هجرية ، و الذي أمر بتدوين الحديث النبوي خشية عليه من الضياع ، فصار الناس يكتبون ، و لكن بدون تدقيق بل يقولون عن فلان و هم لم يجتمعوا بفلان أو لم يخبرونا عن ذلك ، و يروون الحديث أو الواقعة عن النبي بدون سند متقن ، فيكون السند مقطوعا أو ضعيفا أو مجهول المصدر ، وهم بعيدون عن النبي ما لا يقل عن 100 عام ، و في الحرب التي أطاحت بالدولة الأموية على يد العباسيين سنة 132 هجرية ذهب كل ما كتب قبلها من الحديث تقريبا ، و كان الزهري من أشهر كتاب الحديث وكان مع ذلك مدلسا [ أي لا يذكر عمن يروي بدقة] و في العصر العباسي عاد التدوين بعد استقرار الدولة ، و لكن بعد أكثر من 150 سنة بعد عهد النبي ، و من ذلك العصر لم يصلنا إلا القليل من الكتب كموطأ مالك و النادر من المسانيد ، و بدات كتابة الحديث بالازدهار بعد ذلك …و خاصة في القرن الثالث و الرابع الهجري عندما بدأت تظهر كتب علوم الحديث كصحيح البخاري أشهر كتاب في الحديث النبوي كتبه صاحبه في القرن الثالث الهجري ، بعد عهد النبي ب 200 سنة على الأقل ، و في عهده كتب مسلم صحيحه و بعدهما كانت كتب السنة المعروفة[ سنن أبي داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة]و معظم كتب الحديث تم تدوينها في ذلك العصر أي بعد عهد النبي ب 200 سنة فقط …
أما المذاهب الفقهية التي تم تدوينها فقد بدأت بمذهب أبي حنيفة المتوفى سنة 150 هجرية و هو لا يرى إقامة الحد في اللواط [ كما يسمونه] بل يرى فيه عقوبة أخف من الزنا ، و هو أقدم مذهب فقهي معروف ، و لكن الناس فيما بعد جنحوا إلى الشدة في الأحكام بحكم الأعراف و التقاليد و النزعة إلى التشدد و التدين المفتعل ، و رافق ذلك فهم سطحي لنصوص الدين و تناول ساذج لها من قبل فقهاء فرغوا أنفسهم لهذه المسائل ، و صاروا يتفننون في وضع المسائل الفقهية فالشافعي ولد 150 و مات 204 هجرية ، كتب الكثير و ناقض نفسه مرارا في مذهبه القديم و الجديد ، و جعل الأمة الإسلامية منذ عهده تختلف في كل شهر رمضان في موضوع الصيام لأنه هو صاحب الفتوى التي تقول أن كل بلد يصوم لوحده بحسب رؤية الهلال ، بينما أبو حنيفة كان منطقيا أكثر و هو أقدم منه حيث قال أنه يكفي رؤية الهلال من بلد واحد فتصوم البلاد جميعها لأن القمر واحد و الشهر واحد … الشافعي برؤيته المتشددة رأى أن اللواط بحكم الزنا و أنه يجلد صاحبه مئة جلدة إن كان أعزبا و يرجم بالحجارة إن كان متزوجا ، و رأى كذلك القتل …و كل ذلك باجتهادات شخصية أو استنادا على روايات ضعيفة مكذوبة على لسان النبي محمد
.
يتبع في الحلقة القادمة
(ملاحظة الموضوع منقول)