المثليون و المتغيرات العربية في ظل الثورات العربية

ثقافة ومجتمع

#1

المثليون شريحة من المجتمع لم يعترف بها في عهد ما قبل الثورات العربيةليس بسبب القمع السياسي بالتأكيد ، بل بسبب التفكير التقليدي للمجتمع ،و لو أن لهذا القمع دور فاعل في تأخير التطور الفكري للعقل العربي .
العقل العربي ما قبل الثورات هو نفسه ذاك العقل المتخلف غالبا عن الركب الحضاري فيما بعد الثورات ، و هذه الثورات ليست إلا رغوة سياسية لا نعتقد مطلقا أنها ستفرز تغييرات جوهرية في بنية المجتمع العربي سياسيا أو اقتصادياأو اجتماعيا و ذلك لأنها لا تستند إلى مرجعية فكرية ثورية .
ما أعنيه فيما سبق هو أن الثورة الحقيقية تبدأ من الثورة على الفكر السائد و الذي نجم عنه الظلم العام عبر مئات السنين ، و تسعى الثورة الحقيقية لتغيير البنى الفكرية للمجتمع .
و نضرب على سبيل المثال الثورة الفرنسية التي انطلقت بداية من محاربة النموذج الفكري السائد في المجتمع الفرنسي و الذي استندت عليه الفئة الحاكمة في سيطرتها على الدولة ، حيث ثارت الجماهير على كل أعمدة الفكر الرجعي المتخلف و المساند للحكم الملكي و من أهمه قادة الفكر الديني ، و شاعت في الثورة الفرنسية مقولة [ اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس ] حيث كان رجال الدين متحالفين مع الطبقة الحاكمة للسيطرة على مقدرات الشعب .
و قد وضع للثورة الفرنسية مبادئ هامة جدا على رأسها وثيقة حقوق الإنسان ، و التي حاربت التمييز بكافة أشكاله ، و أعطت لكل فرد الحرية في اختيار نمط حياته في ظل دولة تؤمن كافة الحقوق بالتساوي لجميع المواطنين .
تطورت الدول الغربية و تسابقت في إنتاجها التقني و الفكري و العلمي بسبب التغييرات الجوهرية التي طالت العقل الغربي ، و التي حررته من كافة القيود المانعة للتقدم العلمي و على رأسها التفكير الديني .
التفكير الديني عادة يعزو الظواهر الطبيعية للقوة الإلهية بدلا من تحليلها العلمي للإفادة منها و السيطرة عليها و التعلم منها باكتشاف قونينها الطبيعية
لا يعني كلامنا أبدا دعوة لمحاربة الدين ، بل هو دعوة للانتقال من التفكير الديني إلى التفكير العلمي مع الحفاظ على فكرة الإيمان بعد تعديل تفاصيلها التي ورثتهاالبشرية ضمن رؤى قديمة تالفة يجب تجديدها .
المثلية الجنسية تخضع لطريقة التحليل نفسها ، فالتفكير الديني يرفضها استنادا إلى تفسير مسبق لنصوص قطعية أو استنادا إلى نصوص مزيفة منسوبة زورا للمرجع الديني الأول .
بينما يثبت العلم اليوم أن المثلية ليست مرضا ، بل هي حالة طبيعية متعددة الوجود بين كافة انواع الكائنات ، و بالتالي ليست هي جرما يحاسب عليه صاحبه بل يجب تنظيمها ضمن قوانين اجتماعية لتخرج من فوضويتها المؤذية للمجتمع .
الثورات العربية لا علاقة لها مطلقا بهذا النمط من التغيير الثوري الفكري ، بل هي مجرد تغييرات سياسية تطالب بقيادة عامة الشعب للدولة و الذي بمجمله يحمل ثقافة شديدة العجز أمام تحديات الواقع الحضاري .
يسيطر التفكير الديني على غالبية الشعب العربي ، و هو شديد البعد عن التفكيرالعلمي الأصيل المتحرر من كل قيد إيديولوجي مسبق .
شاهدنا كيف انتصر الإسلاميون في تونس و ليبيا و مصر في الانتخابات الشعبية الحرة ، و الآن قد سيطرت القاعدة على مناطق من اليمن بعد نجاح الثورة الجزئي فيها.
و في سورية نلاحظ ظهور المظاهر الدينية في حركة الثورة من خلال الشعارات و الهتافات و أسماء التشكيلات العسكرية المناوئة للنظام و الحوارات السائدة على غالبية الأقنية المساندة للثورة ، بينما لا تكاد تسمع تلك الأصوات العلمانية بين صفوف الثائرين إلا بشكل خجول رغم التنوع الكبير للإثنيات الدينية في سورية .
برأينا الشخصي ، ينتقل المجتمع العربي من سلطة استبدادية سياسية إلى سلطةاستبدادية فكرية دينية كنتيجة حتمية لما يسمى بالربيع العربي ، لأنه تم في بيئة ثقافية يعمها التفكير الديني الشعبي .
و للأسف الشديد ، لم يع المفكرون العرب هذه الإشكالية و لم يعالجوها كما ينبغي قبل هذه الحقبة ، و انشغلوا بسجالاتهم الأدبية و حواراتهم العقيمة التي لم تنتج إلا مزيدا من تعميق الهوة بين الشارع و المفكر العربي .
لا شك اننا كمثليون نطمح لنيل الاعتراف من قبل مجتمعنا العربي في يوم من الأيام، و لكننا للأسف الشديد لا نرى في النفق أي ضوء قد يقدم لنا الأمل الذي ننشده .
لا شك اننا نرغب بالتغيير ، و لكن نحو مجتمع يقدم لنا المزيد من فرص الحياة ، لا نحو مجتمع يزيد من قيوده علينا بسيطرة تفكيره الديني المتخلف عن ركب الحضارة الإنسانية .
( ومجددا انا لا أدعو إلى الفكر العلماني لكن أدعو إلى وضع الدين في إطاره المناسب وعدم وضع إدعاءات كاذبة على عاتق الدين )