الحلقة الثانية
نلاحظ مما سبق في الحلقة الأولى أن الآيات القرآنية التي تناولت قضية قوم لوط لم تكن مقتصرة على الممارسة المثلية بأي شكل ، و أن قوم لوط كانوا مفسدين في الأرض و كان بإمكانهم الاكتفاء بالجنس الآخر إلا أنهم و لأسباب ماجنة فقط أرادوا ترك الجنس الآخر ليكتفوا بأبناء جنسهم و لو كان ذلك بالاغتصاب لملائكة الله ، و بتكذيب نبيهم و حصاره و منعه عن الناس ، وإتيانهم كل فعل فاحش بحيث جمعوا كل المنكرات فسبقوا غيرهم من الأمم في فعلهم هذا …و لاحظنا كيف أن تركيز الفقهاء و المفسرين على الممارسة المثلية كوصف وحيد لقوم لوط هو تركيز بعيد كل البعد عن ظاهر الآيات وحقيقتها ، و فيه إجحاف كبير بحق المعاني القرآنية المنزلة …
من المؤكد أن النزعة الذكورية في المجتمع الشرقي منذ قديم الزمان هي التي سيطرت على رؤية المفسرين و الفقهاء في تناول هذه القضية و ليست الرؤيا الحيادية الباحثة عن الحقيقة الصرفة …
لم تذكر الآيات القرآنية موضوع الممارسة المثلية الصرفة النابعة من الغريزة الأصيلة في النفس البشرية ، و كل ما لم يذكره القرآن و يوضح أحكامه فهو من المسكوت عنه ، ويندرج في قوله تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم و إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها .]
و قد قال البعض أن الآية في سورة النساء [ و اللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوافهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ، و اللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا و أصلحا فأعرضوا عنهما ]
زعم بعض المفسرين بأنها حكم على الممارسة المثلية ، بالنسبة للمرأة تحبس في البيت حتى تموت أو تتزوج ، و الرجال يتعرضون للضغط الاجتماعي فقط حتى ينتهوا عن فعلتهم …و لكن الآيات غير صريحة أولا ، و قد قال معظم الفقهاء أنها منسوخة بحكم الزنا الذي جاء بعدها ، و على فرض أنها جاءت فعلا في تجريم الممارسة المثلية فلا شك أنها تقصد الممارسة العلنية التي يجاهر بها أصحابها بدليل طلب أربعة شهود لإثبات الواقعة ، و ليس ثلاثة شهود أو أقل ،ولا يمكن لأربعة أن يشاهدوا الواقعة إلا إذا كانت في مكان عام …
و بالإجمال ، لا يوجد أي حكم شرعي في القرآن الكريم ولا في السنة الثابتة الصحيحة يقوم بتجريم الممارسة المثلية ، و الأحاديث النبوية الواردة في ذلك لا تصح جميعها استنادا إلى علم الرواية كما ذكرتها في موضوع آخر هنا في هذا المنتدى ، و أقوى حديث فيها رواه عكرمة البربري [ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به ] و عكرمة هذا هو مولى لعبد الله بن عباس و قد اتهمه علي بن عبد الله بن عباس بالكذب في الرواية كما أكد ذلك عبد الله بن عمر الصحابي المشهور و المكثر من رواية الحديث كما جاء في ترجمة عكرمة هذا في كتب الرجال…و السؤال هنا :
لو صح حقيقة مثل هذا الحديث الذي يحكم بالقتل على الممارسين للمثلية فلماذا لم يروه سوى عكرمة هذا ؟
أين باقي الرواة العظماء من الصحابة و أبنائهم و العلماء الآخرون ؟
و من ناحية أخرى ، فالقرآن الكريم ينص على أنه جاء بالدين كاملا غير منقوص ، و قد أعطى لكل أمر مهم في الحياة حكما شرعيا واضحا و صريحا ، فالقاتل يقتل ، و السارق يقطع ، و الزاني يجلد و غير ذلك من الأحكام في سائر الأحوال ، فهل يعقل أن يترك القرآن حكما فيه حد القتل بلا ذكر ؟ و هل الروح البشرية رخيصة إلى هذا الحد حتى يؤخذ الحكم بقتلها من نص ضعيف ؟
القرآن الكريم تكلم في أحكام اليمين و الزواج و الطلاق و التبني و الجهاد و الرضاعة و غير ذلك مما يتعرض له الناس فلماذا يسكت عن حكم الممارسة المثلية ليأتي الفقهاء و الرواة المتهمون بالكذب بإيراد نصوص تحكم بالقتل على ممارسي المثلية ؟
لا نشك بعد هذا أن الرواة قد افتروا علينا افتراء عظيما ، إذ لا يوجد أي حكم يفيد معاقبة ممارسي المثلية في القرآن الكريم ، و هم يفترون على الله تعالى كما يفترون علينا …
يتبع في الحلقة القادمة
( ملاحظة الموضوع منقول )