أنا امرأة جميلة ولا أستطيع قضاء الليل وحدي

أدب
جنسانية

#1

في يوم من أيام إجازتي السنوية دلفت إلى صالة أحد الفنادق في وسط اوروبا، فوجدت نفسي جالسا قبالتها ،، امرأة في عشرينات العمر ، بدت لي جميلة وأنيقة وكأنها أصابت شيئا من ثراء أضفى عليها الدعة والترف ،، مصوغاتها الذهبية غاية في الروعة والدقة ، وهندامها أنيق ونظيف كأنه لم يلامس غبار،، تبادلنا نظرات سريعة ، ثم تشاغلت عني بالتحدث إلى النادل ،، وكأنها تتركبي على قائمة الانتظار … طلبت كوبا من عصير المانجو ، وحولت إليّ ابتسامتها تلك التي أبرت بها النادل لتمنحني نصفها الأخير ،، فهمت الإشارة ، فقررت أن أترك مكاني واقترب منها ،، حييتها تحية مترددة ، فبادلتني التحية وبرفقتها ابتسامة صافية ،، ثم أشارت عليّ بمشاركتها الطاولة ،، مددت يدي وأنا أجلس على الكرسي المواجه لها تماما ، فمدت إلى يدا لامستني بنعومة الحرير ،، وبإشارة من طرف عينها طلبت النادل ، ، فاستجاب سريعا ووقف أمامي يسألني ماذا أشرب … طلبت فنجانا من القهوة التركية ،، وأمرت هي بفنجان ثان لها …
عرفتها على اسمي ، وبادلتني التعارف ،، وقالت :
نظراتك تقول أنك مغترب !
قلت : وما أدراك ؟
قالت : هندامك ، نظراتك ، ترددك .
قلت : هندامي ، ممكن ، أما أن تكون للمغترب نظرات ، وأن تلتصق به صفة التردد فهذا ما لا أعلمه …
قالت : أنتم معشر المغتربين غادرتم البلاد لسونات طويلة ،، هذه السنوات تغير فيها كل شئ هنا ،، لكنكم لم تتغيروا ،، أنتم تعيشون بعقليتكم نفسها يوم انطلقتم للهجرة .
قلت : لا أرى ما ترين ، ولكن دعيني أسالك ، لم تراقبين المغتربين هكذا ؟
قالت : لست أراقب أحدا ، لكن الجميع هنا من الممكن أن يعرفوا أنك مغترب ،، ومن نفس الملاحظات التي أبديتها لك . الكل هنا يعرف أن كل شئ يتغير .
قلت : ألم تغتربي أبدا ؟
قالت قضيت ثلاثة أشهر خارج البلاد ، وكانت قاتلة بالنسبة لي فهجرت الغربة للأبد …
قلت : وهل ولم كان سفرك ؟
قالت : ذهبت لأعيش مع زوجي .
قلت : إذن أنت متزوجة من مغترب !
قالت : نعم ، وما يزال زوجي مغتربا .
قلت : ولماذا لم تستمري في العيش معه في الغربة ؟
قالت : عندما ذهبت إليه كانت أمالي عراضا ، وكنت أحبه لدرجة التقديس ، لكني فوجئت باستحالة العيش هناك .
قلت : لماذا الاستحالة ، كثير من بنات جنسك يعشن في الغربة مع أزواجهن ،،
قالت : لكن كثيرات أيضا يعشن بعيدا عن أزواجهن .
قطع علينا النادل استرسالنا حين وضع القهوة أمامنا ، وبدأنا نرتشفها ونتجاذب الحديث الذي بدا لنا عذبا وكأنه حديث ذكريات بعيدة أعادت لكلينا ماض بعيد افتقدناه ،، فدلفنا إلى تفاصيل أكثر متناسين أننا تعارفنا للتو …
سألتها عن الأسباب التي دفعتها إلى فراق زوجها ، فحدثتني عن شح إمكانياته وعدم قدرته على الإنفاق على بيت وإقامة أسرة ، وقالت أنه فاجأها بالذهب والملابس الفاخرة عند وصولها إليه ، لكنها سرعان ما اكتشفت أن ذلك كل شئ ، ولا شئ غير ذلك ،، لم يتوفر له الاستقرار في العمل ، ولم يتوفر الدخل الكافي للاستمرارية ،، ففضلت العودة لأمنحه الفرصة لتعديل الوضع ،، لكن السنوات تمر دون أمل في التعديل ودون أن نتمكن من الاجتماع سويا ،، يرسل لي الخطابات ويهاتفني ويرسل لي بعض المال الذي يكفيني ، لكن يبدو أنه لا يدخر شيئا ، فلم يتمكن من العودة في إجازة لمدة خمس سنوات متتالية هي كل مدة زواجنا إلا ثلاثة أشهر …
قلت لها أنها تبدو سعيدة وتبدو مترفة ولا يبدو عليها أنها تحمل هم زوجها ولا هم مستقبلها ،، فعرفت منها أنها منذ أن فارقت زوجها عادت إلى هنا وانتظرت عاما كاملا فلم ينصلح الحال ، ولم يتغير ، ولم يأت الزوج ،، وبعد مضي ذاك العام ، قررت أن تعيش حياتها ، وأن تستمتع بيومها دون أن تفكر في غدها … ثم زادت أنها تأتي لهذا الفندق بانتظام وتقضي وقتا طيبا في تجاذب أطراف الحديث مع بعض الأصدقاء ومع بعض الغرباء أيضا ،، ثم تعود آخر النهار إلى شقتها لتقضي بقية يومها وليلتها في صحبة صديق دائم … قالت ذلك دون تردد أو اكتراث وكأن الأمر عادي جدا ،، ولما رأت الدهشة في وجهي أعادتني إلى نظرتها الأولى حيث قررت أن كل شئ هنا قد تغير ، وأن المغتربين فقط هم الذين يظلون على حالهم لحين إشعار آخر …
وحاولت أن أفتح نافذة على حبها لزوجها ،، تساءلت كيف لا يمنعها ذاك الحب عن مثل ما قالت ،، لكنها ككل مرة لم تتردد في قولها أن ذاك عهد قد ولّى … ثم دلفت تحاورني في حقها أن تستمتع بشبابها وبجمالها وبأنوثتها الطاغية ،، وحين قلت لها أن الاستمتاع بالشباب وبالجمال وبالأنوثة لا يجب أن ينحصر في متعة الجسد ،، قالت لي ببساطة :
ألم أقل أنكم لا تتغيرون ؟ الأمور هنا تتبدل ، والحال غير الحال الذي تركتم ، مفاهيم المجتمع تغيرت ، نظرته نحو المرأة تغيرت ، ، حتى النظرة للحلال والحرام تغيرت ،، الناس الآن يقيّمون المظهر ولا يهتمون بالجوهر ،، المجتمع لم يعد مجتمعا متكافلا ، ولم يعد مجتمعا تحكمه القيم الفاضلة ،، كل من يمشي على قدمين فهو مسئول عن نفسه ،، مهما كان نوعه ، عمره ، مقدراته ،، أنا الآن لست في حاجة للمال ، ما يرسله ذاك المغفل يكفيني ، لكني في حاجة لاستثمار شبابي ،، لا الاستثمار من أجل المال ، بل للمتعة ،، أنام في حضن رجل ، يمنحني بعضا من عشق وبعضا من حب وبعضا من دفء ،، ثم أنتظره بلهفة إلى أن يعود من عمله آخر النهار لنعيش سويا … أنا أوفر له البيت والمعيشة وبعض من مال ،، لا آخذ منه إلا ما يمنحني من عشق وصداقة وحميمية … هو يحميني من نوائب الدهر ، ويحميني من أن أحمل لقب مطلقة ،، أنا حاليا لست في حاجة للطلاق ،، لأنني لا أرغب في زواج رجل آخر ،، لدي رجل يحضنني ، ولدي رجل آخر يحضن أوراقي الرسمية ،، أنا امرأة جميلة لا أستطيع أن أقضي الليل وحدي ،، من حقي أن أستمتع بشبابي ، ومن حقي أن أكسر طوق الانتظار ، ومن حقي أن أعيش يومي ، وما أدراك أنه هناك أيضا يعيش يومه ، فلربما أن الغد يدخر لي ما أكرهه .
قلت لها أن هذه رؤيتها هي للأشياء من حولها ، وأن الناس ما زالوا بخير رغما عن كل ما يحيط بهم من نكد وظلم ، وأن هناك نساء كثيرات يعين تماما كيفية استثمار الوقت والعمر ، ويفرقن بين الحب والمتع العاجلة ، وهناك رجال كثيرون يعون حاجة نسائهم إليهم ويقدرونها ويوفون بوعودهم ، ويسعون إلى إقامة أسرة سليمة معافاة . لكنها ظلت تقاطعني في كل جملة أقولها ، وتدفع عن نفسها انضمامها إلى القلة التي ضعفت وانهزمت .
وفي أثناء ذلك كان عدد من رواد صالة الفندق يلقون عليها بالتحية ، وكانت ترد عليهم بلا ملل ،، وكأنهم جيرانها الذين عايشتهم لسنوات ،، ووجدت نفسي الوحيد الذي يعيش خارج دائرة الزمن ، أو هكذا بدت لي الأمور في تلك الجلسة ،،
تغدينا سويا على نفس الطاولة وتحادثنا كثيرا عن حال البلاد والعباد ، وألقينا باللائمة على أصنام كثيرة ،، لكنها أبدا لم تتراجع عن طريقها الذي رسمته ، بل ودت لو أن تشريعا يصدر ليقنن الصحبة لمن ابتعد عنها زوجها …
افترقنا ليذهب كل منا إلى داره دون وعد بلقاء آخر ،، ولما وصلت البيت نظرت إلى نفسي في المرآة فوجدت أن شيب رأسي قد زاد بمقدار ضعفين من تلك الجلسة ،،


#2

This user has deleted their account


#3

موضوع و قصة و أسلوب رائعين :heart:
دقائق ممتعة قضيتها في قراءة تدوينتك :blue_heart:


#4

انا هايج عايز بنت اكلمها


#5

This user has deleted their account