قام صحفي من جريدة الجارديان البريطانية بإجراء مقابلة معي حول الأحداث الأخيرة الخاصة بالقبض على أربع أشخاص بتهمة”ممارسة الفجور مقابل أجر”،و مع تحفظي الشديد للغاية لما قامو بذكره على لساني و الذي أحسبه شيئا ليس له أي علاقة بالحديث الذي دار بيننا ،كما كان ما قد تم ذكره على الجريدة نيابة عني في غاية المحدودية و القصور؛و هو تصرف -أراه-غير مهني إطلاقا،فما يتوجب عليك كصحفي نقل كلام من أجريت حديثاً معه،وليس وجهة نظرك الشخصية عنه و عما قاله .
و سأقوم بتوضيح بعض من الأفكار و الآراء التي قد قمت بطرحها خلال تلك المقابلة من خلال المقالة.
البنياتا:هي دمية مزينة (الزينة تعبر عن مغريات الدنيا) و محشوة بالحلوى و الألعاب أو كلاهما؛فهي تمثل بشكلها الكلاسيكي- والمتكون من نجمة لها سبع رؤوس-الخطايا السبع القاتلة (و المعروفة أيضا بإسم الذنوب الكاردينالية) .و هم:الكبر-الكسل-النهم-الغضب-الحسد-الشهوة-الجشع (هذا التأويل خاص بالكنيسة الكاثوليكية بالمكسيك).
و ما أحاول إيصاله من خلال هذا العنوان أن السلطة الأبوية بشكل عام تقوم بصنع تلك الدمية -البنياتا-الخاصة بها وتدعو المجتمع (بطريقة مباشرة و غير مباشرة) لضرب تلك الدمية،فيقوم المجتمع بضربها بعصيِّه -التي أعطاه إياها النظام. آملا أن يحصل منها على تلك الحلوى -وهي مدلول الغفران.
ما تحاول صنعه الجهات التي تملك السلطة و أحيانا السلطة و القرار، بدءا من نقطة\مركز شرطة في منطقة نائية حتى قسم شرطة أو مديرية أمن هو مجموعة من الهجمات المعنوية و الموجهة لإرهاب كل من يحاول تسليط الضوء على هذا القمع،ليس ضد مرتكبي الجريمة (في وجهة نظرهم)فحسب.
كما أن أحد الطرق التي يقومون بإستخدامها لفرض سيطرتهم و التي يعتبرونها”هيبة” لتمكنهم من القبض على “الخارجين عن القانون”،وكل من تعتبره تلك السلطة”خارجاً عن القانون” بل و يتحول الأمرإلى “كل من هو خارج عن العرف”حتى وإن لم يكن له تهمة يعاقبه عليها القانون.
و لن تعجز السلطة-على أية حال- عن الإختلاق و“التحايل” على هذا القانون “الموضعي”والذي يمكن قصه، بل و خلقه و قيافته على هذا “المختلف”،الضعيف و المحدود القوى لأن المجتمع لن يتعاطف معه.
و كجزء من فرض سيطرتهم،فقد تحاول تلك الجهات أن تُسخِّر بعض العوامل الإجتماعية و الأفكار التي لا يتقبلها المجتمع لقمع صاحبيها و وضعهم تحت الوصاية السلطوية الأبوية، ثم تجريدهم من أهليتهم بشكل جزئي و كلي،أحيانا.
والموضوع لا يتوقف هنا فحسب؛فهناك جهات أخرى و التي لها تأثير كبير على الرأي العام و على كيفية تناول المواضيع التي قد إعتبرها المجتمع شائكة قبال أن يتناولها حتى.
الإعلام و الذي هو مرتبط بشكل مباشر بالسلطات القيادية و التفيذية و متواطئ بشكل تام بطريقة يحافظ بها على عتمة العقول و رفض كل ما هو مختلف ،حتى و إن كان هذا الإختلاف موجود منذ الأزل.
نستطيع ملاحظة ذلك من خلال وسائل الإعلام المنتشرة و التي تصل إلى العديد من الطبقات و الخلفيات الإجتماعية ولا تحتكر فئة بذاتها،ولا يوجد أيضا عوامل رئيسية- لها علاقة بالمستوى التعليمي أو المادي- قادرة على إختزال المواقف التي يتخذها المجتمع ضد الأقليات بشكل عام.كما أن السلطات القضائية (والمتواطئة بجدارة مع السلطات التنفيذية)؛تجعل من الأمر دائرة لا يمكن الخلاص منها.
السلطة تستمد قوتها من مجتمع خائف و رافض؛يرفض الآخر بسبب أو بدون.مجتمع غاضب لا يقبل ولا يتقبل،هذا الغضب الذي قد تكون أسبابه أسباب ليس لها أي علاقة بهؤلاء المغضوب عليهم.
و من ثم،تتحول القضية التي ليس لها أي سند قانوني لقضية رأي عام لمجرد أن المجتمع يراها خطأ.
ثم يتسلل الأمر تدريجيا للدين،فتجد أن الولاء و البراء و نذور الجهاد و حروب الفساد و قد إنبثقت فجأة من خلال أشخاص لم يكن لهم أي رأي في مسألة فقهية واحدة من قريب حتى أو من بعيد.
ولكن عندما يصل الأمر الى تكوين المجتمع و الدور السلطوي و الذي يبدأ من أصغر وحدة يراها المجتمع”الذكر”و صورته المبنية و التي صنعتها عقود من ترسيخ الأفكار و التصورات لخلق قالب مجتمعي محكم،لا يستطيع الفرد فيه الخروج عن دوره،و إن حاول ؛فسيشقى كثيرا.
و بالتالي فهدم تلك الصورة هو عبث بتلك الوحدة الأساسية ،ثم عبث بالأدوار و المهام التي صنعها المجتمع الأبوي مما يهدد سلطته .و لذا، فقد وجب الحراك ضد أي تصور مختلف أو أي مبادرة قد تحدث خللا في تلك المنظومة.
هنا الأمر يصبح أكثر وضوحا-فالأمر ليس له أبعاد دينية فحسب كما يظن الجميع-إطلاقا-إنما هو رسالة موجهة و معنية لفرض السلطة، و لهؤلاء الذين ينوون التمرد عليها.
و الحملات التي أطلقت مؤخرا و بشكل موجه تماما للقبض على”الشواذ” و “شبكات الشواذ” ما هي إلا مثال على ما قمت بتوصيفه مسبقا:ليس هذا إلا صورة مصغرة -حيث تجد من يأتي حتى باب منزلك ليلقي القبض عليك،و السبب” العصفورة قالتله” أو “ “شكلك مش عاجب الباشا” أو أنه من السهل أن تتحول إلى طاعون يهدد المجتمع لمجرد أنك مختلف ،حتى و إن كان إختلافك هذا غير معدي!
في قضية القبض على” شبكة شواذ في مدينة نصر”؛ العجيب، أن هذه الشبكة مكونة من(أربع) أشخاص،من ضمنهم “القواد”.و بعد إطلاعي على المحضر المسجل في قسم شرطة مدينة نصر،فقد تم القبض على الأربعة متهمين بدون إذن نيابة،بدون تلبس،و بملابسهم العادية.
ثم نجد أن هؤلاء -الأربع متهمين- و “المراقبين منذ شهور”-حسب أقوال بعض أمناء الشرطة للأهالي-قد قامو بنقل مفروشاتهم و مقتنياتهم إلى الشقة في نفس اليوم الذي تم القبض عليهم فيه.
وعلى الجرائد الحكومية والمستقلة ستجد أن الجميع تقريبا و قد إتفق على أنهم “شبكة شواذ”يمارسون الجنس بمقابل مادي.
وعلى حد علمي،فإن القبض على شبكة شواذ يستدعي التلبس-هذا أضعف الإيمان-أليس كذلك؟!
و من ثم كيف وجدوا أنهم“شواذ” حتى بدون إجراء أي كشوف طبية،و كيف لهم أن يتيقنوا من ذلك، فربما أدوارهم في العملية الجنسية مغايرة حتى،و هل لجهة تنفيذية أن تقوم بالقبض على شخص لمجرد الشك في مظهره؟
و لماذا قد يصبح مظهر أحد مدعى لأي شكوك،ما بالك بأن يتم القبض عليه و إتهامه بالفجور و محاكمته في أسبوع ثم الحكم بسجنه لمدة ثلاث سنوات فأكثر!
و لن تتوقف تلك السلطة الأبوية عن إختلاق أعذار مثل:محاربة الفجور،الإرهاب،الحفاظ على قيم المجتمع مستخدمة العديد من الأعذار الأخرى و التي لن تتوقف السلطة عن إستخدمها كذريعة لقمع الحريات وقمع المطالبين بها لتحظى دائما بمباركة المجتمع.
وخلاصة،فإن الإرهاب الذي يمارسه المجتمع الأبوي إضطهاد للجميع،و قريبا ما سيطال الجميع أيضا-بدون أي إستثناءات.
–داليا الفرغل