نحن نكتب لأنّ الكتابة تنقلنا من حالة الهمجية و الفوضوية الأولى إلى حالة من الرقي الفكري و الروحي. و هذا النوع من الرقي هو الذي يجعلنا بشراً بحق. و بالتالي فأن الكتابة تلقي الضوء على إنسانيتنا, على ذلك الجانب المخالف لطبيعتنا الهوجاء و الأنانية و المدمرة. فالكتابة هي أشبه بالعطاء و نكران الذات.
و الكتابة سحر, تنقذنا من وحدتنا و ترينا مخرجاً مضيئاً و واسعاً. ندخل إليها محملين بالأسئلة, و نخرج منها بأجوبة لا حصر لها.
فماذا غير الكتابة تقرّبك من شخصٍ لم تلتقي به في حياتك؟ كاتبٌ غامرَ و أخطأ و وقع في الحب, و أصبح أقرب إلى السماء؟
عندما نكتب, تلامس أصابعنا قماش السَتان الذي يغطي حرمة الله, و المخمل الذي يزيَن عرشه.
و عندما نكتب, نستطيع أن نشعر بحنان و قسوة الطبيعة في آنٍ واحد.
نلعب مع أطفال سورية
في المسارح الرومانيَة
و نتمشى
على شواطئ لبنان,
نصلي عند البتراء لنبكي
أمام زيتون فلسطين
و نرقص على ضفاف دجلة و الفرات.
نسهر و نغني بجانب الأهرام, و نضيع في صحارى ليبيا
و أزقة المغرب,
و بعد هذا كله,
نلتقي أحبائنا…
الكتابة تحرَر, و تَحْبِس. تُنْجِد, و تُغْرِق, تبكينا و تفرحنا, و هي أجمل و أثمن ما يمكن أن يقدمه إنسان للإنسانية جمعاء.
فاخرجوا من قواقعكم و اكتبوا! عيثوا في الأرض فساداً و اكتبوا!
اكتبوا ما تعرفونه و ما لا تعرفونه. ما يحصل و ما تريدون أن يحصل. عن الحب الذي حصلتم عليه, و عن الحب الذي لم يأتي بعد.
اكتبوا عن العاهرات و القديسات, عن حدائق من نار و أنبياء لم يتركوا لنا سوى الفراغ.
اكتبوا عن من تحبون, و عن من تكرهون.
اكتبوا عن فتيات لا يقبلن بالنصف, بل يردن التفاحة كلها, و عن صبيان يتسللون في الليل, ليرتدوا فساتين أخواتهم النائمات. و عن أمهات قسات و أباء مكسورين, و أسرّة من ماء, و عنبٍ يتدلى من السماء, و عن أشجارٍ تثمر عيوناً, و عن مشعوذين و مشعوذات.
نحن نكتب لأن الكتابة تجعلنا بشراً, و تعيد لنا إنسانيتنا, فاكتبوا كأنكم تكتبون للمرة الأولى و الأخيرة!