في حرية التعبير عن الميول الجنسية: هل نحن بحاجة لثورة فكرية شاملة؟

جنسانية

#1

يُمارَس الجنس لأسباب عدّة، لا يمكن حصرها، ولكن الأسباب الأشهر هي الحب، المتعة، الإنجاب، المال، حب العملية الجنسية نفسها، أو أكثر من سبب معًا. إذن، من غير المنطقي، والحالة هذه، أن يتم التمييز بين الجنس على أساس “السبب،” فيُمسي هناك جنسًا “شريفًا،” وآخر “عفيفًا،” وآخر “شريفًا،” وآخر “طاهرًا،” وآخر “بريئًا،” وآخر “سيء السمعة،” وآخر “دعارةً…” إلى آخر هذه المسميّات الهزلية التي تُطلق على الجنس بغرض التأييد أو الإدانة، ليس فقط لأن الرغبة الجنسية، والعملية الجنسية، والنتاج الحاصل منهما هو حرية أصيلة للفرد، ولكن أيضًا لأن تدخّل أيّ فرد، أيّ كان وتحت أيّ مسمّى، في الحياة الخاصة لفرد آخر هو اعتداء صريح على الحقوق الفردية. ويُرجى عدم الخلط هنا، فالتسميّات المختلفة للعملية الجنسية لأيّ غرض تعليمي أو سلوكي أو فلسفي هو جدير بكل احترام، وهي ليست الحالة بصدد الرصد والتحليل على أيّ حال.

إذن، كلّ فرد عاقل بالغ هو حرّ جنسيًا حرية كاملة سواء في اختيار شريك من عدمه، أو في طريقة نوع الممارسة نفسها، أو في غرضها، أو في وضعها، ولا يحقّ لأي فرد آخر أن يحجر “طرقًا معيّنة” أو “أهدافًا معيّنة” للعملية الجنسية، فالطرق كثيرة والأهداف أيضًا. إذن فطريقة الممارسة والغرض من الممارسة هي كلّها حقوق أصيلة لكل فرد عاقل بالغ. يجدر بنا الإشارة هنا إلى أن الجنس ليس فقط مقصورًا على الطريقة البديهية، والتي تشرحها الأديان وتؤيدها العادات والأعراف، وسوف نُطلق عليها للتسهيل “الوظيفة الفسيولوچية” للجنس والتي تترتّب عليها نتائج “مقبولة اجتماعيًا” مثل إنجاب الأطفال؛ لأن هنالك طرقًا وعمليات كثيرة أخرى تحمل نفس الاسم “الجنس” ولكن لأغراض مختلفة. ولمّا كان إطلاق الجنس الفسيولوچي بغير تنظيم قد يجلب الهلاك للبشرية كلها، لأننا إذا توقعنا طفل جديد لكل ممارسة جنسية، سوف تفنى الموارد الطبيعية والاصطناعية في الكون لعدم قدرتها على موائمة أعداد البشر الرهيبة المتوقعة من هذه الممارسة “المجنونة.” ولذا، فكّر الإنسان في طرق لاستمرار القيام بالعملية الجنسية نفسها، لكن دون التقيّد بشروط نتائجها والتي تتمثّل في ذرية جديدة أو طفل جديد. وهذا إثبات سهل لوجود أغراض أخرى للجنس غير الإنجاب، وهو ما جعل الجنس البشري يُقدم على طرق للقيام بالجنس وفي نفس الوقت درء نتائجه، “الإنجاب،” فيما يُعرف بطرق تحديد النسل أو منع الحمل الاصطناعية، أو حتى في الطرق الفسيولوچية مثل التحكّم في نهاية العملية الجنسية.

قد نشبّه بدائل العلاقات الجنسية الفسيولوچية ببدائل عمليات فيزيائية. مثلًا، كيف نمنع فيضان نهر؟ الإجابة سهلة جدًا، وهي بتشييد سدًا لمنع فيضان مياه النهر. إذا اعتبرنا هنا أنّ السدّ سوف يصبح بديلًا اصطناعيًا عن العملية الفيزيائية التي كانت لتؤدي لفيضان النهر لولا عدم وجود السد. يمكننا إذن، في نفس السّياق، الاستعاضة عن بديل الجنس الفسيولوچي، أو البديهي، ببدائل أخرى تؤدي لأغراض أخرى. أودّ الإشارة من هذا المثال إلى أن العمليات الطبيعية، أو البديهية، سواء الفسيولوچية أو الفيزيائية ليست حتمية ولا ضرورية، ولكن هناك بدائل قد يستخدمها أفراد آخرين للتعبير عن علاقاتهم. فالبديهة والطبيعة والفطرة كلها مفاهيم فاقدة للحسّ والإدراك والتفكير، لأن التفكير الإنساني قد يقود لما هو أصلح من البديهة أو الفطرة، على حسب الاقتضاء. ولذا لا يمكن “فرض” الطبيعة أو البديهة على كل البشر في كل الثقافات والحضارات باعتبارها “الأصلح” استنادًا لأي نصوص أو خلافه، لأن مصلحة كل فرد مختلفة كليًا عن الآخر، والفرضية بأن هناك عملية أو نتيجة “بديهية،” لعملية فسيولوچية أو فيزيائية، صالحة لجميع البشر في كل وقت وحين وفي كل مكان، لهي فرضية ساذجة جدًا، فضلًا عن شموليتها.

إذا كان لابد ليد الأغلبية أن تمتد لتقرّ بمنع فرد مثلي من حقّه الأصيل في ممارسة الجنس مع من يحب/يستطلف بأي طريقة كانت، وفي أيّ وضع، وتحت أيّ مسمّى، ولأي ظرف، ولأي غرض، خشية “الضلال” أو كون الممارسة المثلية “ممارسة مرضية غير طبيعية وغير مقبولة اجتماعيًا وعُرفيًا ولا تؤدي للإنجاب إلخ…” فمن الأولى أن نمنع كل الطرق الجنسية الأخرى، وليست المثلية فقط، التي لا تؤدي بالتالي للإنجاب، ونجنّد الأمن العام لحراسة الفضيلة ومعاقبة مشغّلي المواخير، واعتبار العلاقات الجنسية “غير البديهية” فضائح لابد من البتّ فيها، ونشرها، ومعاقبة “مرتكبيها،” في اختلاط واضح لدى المشرّع بين ما هو حق أصيل للفرد وبين ماهية الجريمة النكراء التي يتعدّى فيها فرد على آخر والتي تتطلب الردع والمعاقبة. إن ما يعتقده البعض، ويقوم به آخرون، بأن كشف ممارسة فرد للجنس خارج إطار “العلاقات البديهية غير الممهورة بإمضاء المشرّع وغير المختومة بخاتم الدين والأنبياء ودار الإفتاء” لهو “فضيحة” مدوّية يعدّ اختلاطًا عليهم في الأمر. لأن مثل هذه الحالات تتطلّب معاقبة “الفاضح” وليس “المفضوح،” على افتراض صحة المسمّيات، لتعدّى الأول على حق أصيل من حقوق الثاني بالإعلان عن تفاصيل حياته الخاصة.

إن التسليم بالحلول الطبيعية، وعدم طرح، أو التهرّب، أو إنكار، البدائل الأخرى، سواء كانت اصطناعية أو ابتكارية أو أي شيء آخر، من شأنه أن يهدم الحضارة الإنسانية ويأتي بالأرض على بكرة أبيها، وقد ضربنا مثال فيضان النهر وتشييد السدود في الفقرة السابقة فيزيائيًا، وطرحنا أيضًا مثال الجنس الفسيولوچي ووسائل منع الحمل.

أتعجب كثيرًا ممن يسمّون المثلية الجنسية بالمرض، وأدعوهم لتسمية الأشياء بأسمائها. أمّا أكثر ادعائين شائعين لهذا الوسم الغريب هما، أولًا، زعم البعض أن الجنس المثليّ لا يقود فسيولوچيًا للإنجاب، إذن فهو “غير طبيعي” بل “ومرضي.” والادعاء الثاني يأتي ممن يرهبوا المثلية بشكل مرضي(Homophobes) ، وزعمهم في ذلك ينصبّ على أن انتشار المثلية، لاحظ مفهومهم عن المثلية الجنسية فهم يعدّوها فكرة" قابلة للانتشار،" ولا يعاملوها على أساس أنها بديل مطروح للجنس يبلغ معه ممارسيه لمتعة قريبة الشبه بالمتعة التي يبلغها الآخرون، إن مدّعي هذا السبب يعتقدون أن “انتشار” المثلية الجنسية، وفقًا لهؤلاء، قد يدعو للتناقص التدريجي للجنس البشري الذي قد يقود لانقراضه، وهي فرضية ساذجة يغطّي بها هؤلاء، بميكنة دفاعية فرويدية، على خوفهم الأصلي من المثليين. أمّا الادّعاء الأول، فقد فنّدناه في الفقرة السابقة، وإيجازًا نكرر أن الطرق الطبيعية ليست الوحيدة، بل هناك بدائل مساوية لهذه الطرق في القيمة، ولا يمكن ترجيح بديل على آخر، كونه “بديهيًا.” وإذا كانت المثلية مرضًا لأنها لا تقود تبعيًا للإنجاب، إذن فمن الأولى أن نعدّ الجنس الغيري باستخدام وسائل منع الحمل، أو الجنس الشرجي، أو الجنس الفردي كلها أمراضًا، ونترك الطب للبحث لها عن علاج! أمّا الادعاء الثاني فهو ليس منطقي، لأن توقّف المثليين عن الإنجاب لن يؤدي لانقراض الجنس البشري، لأنه طالما هنالك مثليين على قيد الحياة، فهنالك بالتأكيد “غيريين” أنجبوا هؤلاء المثليين، وهكذا! فضلًا عن المثليين الذين ينجبوا ذريات جديدة بالفعل في علاقات غيرية، إراضاءً للتقاليد وهروبًا من الضغط الاجتماعي، بينما يستمرون في علاقاتهم الجنسية المثلية. فناء الجنس البشري غير مرتبط بالمثليين أو طريقة الممارسة الجنسبة في العموم بقدر ارتباطه بمدى قدرة الإنسان على التكيّف على الظروف البيئية المحيطة. فطالما هناك إنسان، سوف يكون هناك جنس، وسوف تكون هناك ذرية جديدة، وسوف يكون هناك آلاف الطرق والأوضاع لممارسة الجنس. وإذا كان هذا، عزيزي الهوموفوب، هو مثار قلقك الحقيقي، فأنا أقدّر مدى شغفك بالجنس البشريّ، وأطمئنك بأن وجود المثليين لن يُفضي لفناءه. لا تقلق عزيزي! وإذا كان هذا الادعاء “الساذج” سوف يؤول برجل بيروقراطي متدين صاحب قرار، أن يمنع، على سبيل المثال، زواج المثليين، فمن الأولى به، في خضمّ هذا القانون الغريب، أن يجعل الزواج الغيري والإنجاب إجراءات إجبارية على الجميع، ويقوم بمعاقبة العزباء والمرضى الذين يعانوا العُقم، وأن يمنع كذلك كل وسائل منع الحمل، بما فيها الواقي الذكري، بل ومراقية جميع المتزوجين خشية سلوكهم لأوضاع جنسية قد لا تؤدي للإنجاب. إن هذه الادعاءات والإجراءات من شأنها أن تحوّل العالم لجستاپو الجنس!

الخوف من الأغراب، أو المختلفين، أو حتى العنصرية تجاههم هي بديهية طفولية، يتخلّص منها الفرد عند بلوغه بمساعدة الرصد والتفكير والتحليل والقراءة، ومن ثمّ التعرّض لهؤلاء الأغراب، والاختلاط بهم، وأفكارهم، وتكوين صداقات معهم، حتى يبلغ الفرد مفهوم الفردانية، أي أننا جميعًا أفراد والاختلافات بيننا واردة بل وضرورية، ليصبح تقبّل الآخر وتقبّل اختلافه، بل والتفكير بشأن التحوّل للانتماء لعاداته، سمة مميزة للأفراد المتعلّمة والمتطورة عقليًا عن الأفراد الآخرين الذين لم يختلف نمو عقلهم كثيرًا عن طفولتهم.

إذن، هنالك بدائل مساوية تمامًا للجنس الفسيولوچي الذي يؤدي للإنجاب، وهذه البدائل متنوّعة الأغراض والطرق، مثل غرض المتعة على سبيل المثال. لا يمكن وسم بدائل الجنس الفسيولوچي بأي أوسام أخرى إضافية، لأنها لا تعدّ إلا بدائل تؤدي لأغراض مختلفة لنفس العملية، وهي بدائل مطروحة يوميًا. وقد ذكرنا بالفعل بديل واحد في الفقرة السابقة، وهي العلاقات الغيرية (Heterosexual) باستخدام وسائل منع الحمل (Contraception)، ولكن هناك بدائل أخرى كثيرة للجنس بدون إنجاب قد يمارسها أفراد آخرين حسب الاحتياج، مثل العلاقات الشرجي (Anal Intercourse)، أو المثلية الجنسي (Homosexuality)، أو ازدواجية الميول الجنسية (Bisexuality)، أو الجنس الجماعي (Orgy)، أو حتى الجنس الفردي (Masturbation)، وغيرهم الكثير. إذن، لكلّ فرد طريقته الخاصة في التعبير عن ميوله الجنسية لبلوغ نفس درجة النشوة التي تبلغها أنت. فمثلما لا يحجر أحد من أصحاب الميول الجنسية المختلفة عليك ميولك الخاصة، لا يمكن أن تحجر أنت ميولك على الآخرين؛ لأن لكلّ منّا طريقته الخاصة، ليس فقط كذلك، بل أوضاع جنسية خاصة، وأغراض خاصة، ذكرناها في بداية هذه الأطروحة، إلى ما لا نهاية. وهذه بالتأكيد حرية فردية لا دخل لأحد بها إطلاقًا.

لا يمكن التمييز بين الأفراد على أساس الميول الجنسية، التي هي سرية وخاصة بالأساس، إن لم يختر الفرد عكس ذلك، ولا يمكن مقارنة التمييز بين الأفراد على أساس الميول الجنسية سوى بالتمييز بين الأفراد على أساس “لون السروال الداخلي.” فيعدّ أمرًا غير منطقيًا وغير مقبولًا على الإطلاق. إن الخوف المرضي من فرد آخر، أيّ كان، فقط لمجرد أن ميوله الجنسية مختلفة عني شخصيًا يبدو، في نفس السياق، مخجلًا لدرجة كبيرة. لأنك إذا كنت سوف ترهب المثليين لأن ميولهم الجنسية مختلفة عنك، فمن الأولى أيضًا أن ترهب الذين يمارسون علاقات شرجية باستمرار، أو مستخدمي وسائل منع الحمل، إذا كنت لا تستخدمها أنت، أو ترهب من يمارسوا الجنس جماعيًا. إذن، فلترهب كل المختلفين عنك، مهما كان عددهم، ولتقضِ ما تبقّى من حياتك في سلسلة من الخوف المرضي الذي لن يعود عليك سوى بتقليص دوائرك الاجتماعية، لمشاركتك صداقات من يماثلونك تمامًا فقط، إن وجدت، وسوف يتطلب هذا أن تسأل كل شخص قبل طلب صداقته/ها عن ميوله الجنسية، وعن الطريقة والوضع الأمثل الذي يمارس، أو تمارس، بها الجنس لتقرير استمرار علاقة الصداقة بينكما من عدمها. إن الخوف المرضي من فردٍ آخر بسبب ميوله الجنسية لهو درب من دروب الوهم.

لابد أن تسأل نفسك سؤالًا هامًا؟ هل اخترت ميولك الجنسية وفق اختيار حر؟ على الأغلب، خاصةً في منطقتنا هذه لما نحظى به من عادات وتقاليد، لا! الاختيار الحر الواعي يتطلّب الدراية بكل البدائل المناسبة والمتوافرة، بل والتعرّض لها مرو واحدة على الأقل لاختبارها، ومن ثمّ اختيار الطريقة الأمثل للتعبير عن نفسك، سواء في الجنس، أو الأكل، أو المُعتقد الديني، أو الاتجاه السياسي، أو أيّ وسم آخر. أنت على الأغلب نتاج من سبقوك، واختيارك لم يكن حرًا حرية كاملة في كل هذا، فما بالك في اختيار ميولك الجنسية؟ هذا لأن النشأة في هذه المجتمعات الشرقية تتم على أنه هناك طريقة واحدة صواب في كل شيء في الحياة، بدايةً من الدين، وليس نهايةً بالكلية والعمل، مرورًا طبعًا بالجنس، وكل ما عداها هو خطأ وحرام و"عيب." سوف نفترض هنا أن الجنس الغيري هو الممارسة “المعتادة والمقبولة” مجتمعيًا، أو السائدة، أو البديهية، ولكن هذا ليس كل شيء! فالجنس الغيري في إطار الزواج هو الممارسة الوحيدة المقبولة مجتمعيًا. هذه الشروط المجحفة لأي إنسان عاقل بالغ، والتي قلّما تتحقق، تنفي معها “الاعتراف” بما عداها من ممارسات، سواء علاقات غيرية خارج إطار الزواج، أو علاقات مثلية أو غيرها، وقد أوجزنا الإشارة لبعضها في فقرة سابقة. إن الممارسة “البديهية” للجنس ليست هي الممارسة الوحيدة، ولا يمكن نفي وعزل باقي الممارسات لمجرد أن هذه هي الممارسة الوحيدة “المقبولة اجتماعيًا،” ولا يمكن أيضًا التقليل من بقيّة البدائل، ولا الهروب من رصدها بغية عدم التعرّض للنقد. “الممارسة البديهية” للجنس ليست الوحيدة، وليست الأنسب للجميع، ولكنها فقط ممارسة الأغلبية التي تريد أن تفرضها قهرًا على الأقلية باسم حكم الأغلبية - والتي تشبه الديقمراطية سياسيًا. أضف إلى ذلك أن وسم “الممارسة البديهية” للجنس بأنها ممارسة الأغلبية هو وسم غير دقيق، لافتقادنا إحصاء نزيه للنِسب المختلفة للميول الجنسية في الشرق الأوسط بل في العالم أجمع. ولا حاجة للقول بأن نسب المتزوجين عالميًا ليست كفيلة بترجيح كفّة “الممارسات الغيرية أو البديهية” لأن هناك نسب غير منظورة من المتزوجين قد أُجبروا على الزواج إذعانًا للتقاليد والأعراف، وهم في الأصل مثليون أو مزدوجو الجنس أو حتى لا-جنسيون (Asexual).

إن المثلية ليست مرضًا، كما أنّ أيّ ميول أو رغبات جنسية “مغايرة” ليست أمراضًا، ولكن التدخّل في حياة الأفراد الخاصة هي المرض الذي يجب أن يُستأصل بقوة القانون. إن المثلية ليست مرضًا، بل التهرّب من الاعتراف بالرغبات الجنسية، وحجر الميول الجنسية على الآخر هي أسّ الداء. إن المثلية ليست مرضًا، بل ترك كل شيء على أحواله السيئة والفاترة خشية مواجهة المجتمع والناس هو المرض في حدّ ذاته؛ لأن استمرار الشكوى هو المرض، وليس انعدامها. فلنعطِ الأشياء مسميّاتها أو لنصمت!

وعلى سبيل المثال، فإن استمرار شكوى امرأة من زوجها جنسيًا هو مشكلة يجب التوقّف عندها، ورصد أسبابها، وتحليل دوافعها، وتبدر استشارة أخصائي أو التشاور المستمر بين الشريكين هي الحلول المناسبة في هذه المشكلة. وإذا استمرت الشكوى، فالانفصال هو الحلّ الأمثل لهذه المشكلة، بلا خضوع، ولا استسلام، ولا خوف سواء من المجتمع أو العادات أو الدين. أمّا استمرار الزواج كونه من “العار الاجتماعي” أن تتمّ حالات الطلاق في “العائلات الكبيرة” وما إلى آخره من هذه الخرافات الكبيرة هي المرض في حدّ ذاتها. وعلى سياق متّصل، فإن ممارسة الفرد لميول جنسية غير راضٍ عنها خوفًا من عواقب ممارسته لميول أخرى هو المرض، وليس التعبير عن ميوله بحرية.

استكمالًا لتعريفنا بأن المرض هو استمرار الشكوى دون علاج أو وقفة حاسمة، فإن ممارسة الفرد للجنس مع الجنس الآخر بدون ارتياح، بل وبتقزز مستمر مع أفراد مختلفين من الجنس الآخر، لهو استمرار لشكوى معيّنة، يجدر معها تجربة التحوّل لممارسة ميول مختلفة، إذا استلطف هذا الفرد طرفًا من نفس جنسه، أو من أي جنسٍ كان. فبلوغ المتعة هو الهدف، إذا انتفت جميع الأهداف الأخرى، والفرد قد يبذل في سبيل ذلك أيّ شيء، ولا يجب أن يُنحّي أيّ حلّ لمشكلته كونه “غير مُحبب اجتماعيًا.” وإذا كانت ممارسة الجنس المثلي هو الحل لهذه المشكلة، فتصبح المثلية في أحيان هي حل لمرض قائم، وليس مرضًا في حد ذاتها. هذا مع اعتراضي التام على لفطة “مرض” من الأساس، ولكن كتابة أطروحة كاملة يستدعي إثبات لوجهة نظر، وتفنيد وجهة النظر المضادة، ولتفنيد وجهة نظر مضادة، يجب مخاطبتها بألفاظها التي لا نألفها عادةً.

إن الاعتراف برغبات أجسادنا بصراحة ووضوح لشريكنا، أو حتى للعالم كله، ليس مخجلًا على الإطلاق، بل يعدّ إجراءً ضروريًا لحياة نفسانية وجنسانية صحية خالية من أمراض الكبت، الأمراض التي ترسّبها عادةً المشاكل والمعيقات النفسية. بل إن هذا الاعتراف والتقبّل والمواجهة المباشرة هو الضمان الوحيد لحياة سعيدة. السعادة التي تعدّ المبتغى الأول والأخير من هذه الحياة التي نعيشها، وإن لم نبحث جاهدين، بل نطارد، هذه السعادة بالنهل من ينابيع الجنسانية الغامرة، لفقدنا شقًا رئيسيًا ومبهجًا من هذه الحياة، والتي لن تعوّضها أيّ بهجة أخرى على الإطلاق.

وضمن جهودنا على شباب الشرق الأوسط للتآلف بين الأفراد أيّ كان معتقداتهم أو جنسيّاتهم أو ميولهم الجنسية، نبدع مشاريع لخدمة هذه الأهداف، ونكتب ونسجّل وندوّن ونوثّق، وقد سجّلنا وأذعنا من قبل حلقة آرابيكاست مع مدوّن سوداني يعيش في إحدى دول الخليج ويعبّر عن ميوله المثلية. ومازال لدينا الكثير لمناقشة هذا الموضوع غير المطروح إعلاميًا بالمرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

استمع للحلقة من هنا:

http://ar.mideastyouth.com/?p=1779

ولهذا أنشأنا هذا الموقع الريادي، والأول من نوعه، في المنطقة، كون هذا الملفّ المغلق قارب على الصدأ على أرفف التجاهل والنسيان. إن أهواء ليس للمثليين فقط، بل لكل الهويات!

أودّ أن ألخّص أطروحتى في أننا نعيش في مجتمعات تمارس الوصاية الجنسية، كما الوصاية الدينية، على أفراد العشيرة والقبيلة والقطيع. والتخلّص من ثقافة القطيع يتوجب معه التخلّص من كل وصاياتها وعاداتها وتقاليدها بلا رجعة. من حقّ أي فرد عاقل بالغ ممارسة الجنس كيفما يشاء، أو تشاء، وكيفما يحلو له، وبأي غرض، وفي أي وضع، وفي أي وقت بلا وصاية من أيّ فرد آخر مهما كان. وكاتب هذه الأطروحة يرفض رفضًا تامًا التهرّب من الحقائق بهذا الشكل المخزي الذي نعانيه في مجتمعاتنا الشرقية، وهو ما نحاول أن نرصده ونعالجه على شباب الشرق الأوسط. إذا كنت تقرأ هذه الأطروحة الآن، تصالح مع نفسك وهويتك، وعبّر عن جنسك وميولك الجنسية بأريحية، لأن تقبّلك لنفسك واعترافك بميولك الشخصية هو الأهم في هذه العملية برمّتها، وليس الأهم هو اعتراف العالم بك. لا تهتم بأن الأغلبية تسير في اتجاه مرسوم بعناية “اجتماعية،” فالسّير مع القطيع غالبًا يعدّ مضيعةً للوقت والجهد، وهو ليس الطريق المُثلى على أيّ حال، فضلًا عن ازدحامه ورائحته الكريهة.

إن مفاهيم اجتماعية سائدة كالزواج والعفّة والطهارة وحتى “الشذوذ” عن القيم الأصيلة، تبدر لي شخصيًا محض أوهام لابد لمجتمعاتنا أن يتخلّص منها، ولكن هذا يتطلّب عقود طويلة حتى تتخلّص المجتمعات الشرقية من الإرث الثقيل من الهوس الجنسي المرضي الذي يستدعي التحريم والتجريم “والتجريس.” إن نقطة الارتقاء التي سوف نبلغها عندما نعترف بالجنس كحاجة إنسانية أساسية كالطعام والشراب يتم سدّ نهمها والتعامل معها فرديًا، وليس مجتمعيًا، عند هذه النقطة فقط، سوف نعترف بآفات الماضي وآثامنا الفكرية والتشريعية، وجلدِنا لذواتنا، وجلدِنا للمتحررين، عند هذه النقطة سوف يتساوى جميع الأفراد بغض النظر عن ميولهم الجنسية، أو اتجاهاتهم السياسية، أو عقائدهم، أو جنسهم، أو عِرقهم. إن نقطة الرقيّ والوعي هذه لا تتطلّب ثورة سياسية، بل ثورة فكرية شاملة.

إن هذه الأطروحة ليست دفاعًا عن المثلية الجنسية، إنما دفاعًا عن الحرية الفردية للعقلاء البالغين!

أحمد زيدان


#2

,Captivatingly written and bluntly realistic


#3

استاذ أحمد زيدان … لا أعرف ماذا أقول! فلقد اجملت وفصلت وشرحت وأختصرت كل ما يريد المرء قوله بهذه المقال … سأحتفظ بها عندي لكي أقرأها مراراً وتكراراً لي ولكل الأصدقاء من كل الأهواء … شكراً


#4

جميلا جدا وروايه ايضا جميلا ومفيدا لاشخاص كثيرا …
يجب الكثر ان يعلمو لماذا هم هكذا …
وايضا الاشخاص اللذين لا يعرفون عنا هذا ويبتزنا بتصرفات غير لائقه بنا …


#5

أشكرك joltra!


#6

لك جزيل الشكر عزيزى zidan على الموضوع القيم والشامل والمفصل
تحيات واحترامى وتقديرى


#7

لقد أخجلتم تواضعنا! :slight_smile:


#8

مشكلتى ان واحد صاحبى علمنى الممارسه معاه بالتبادل السوفت وبعدين سافر بعيد عنى وانا اشتقت لهذه الممارسات كثيرا جدا ولم اجد احدا اثق به وتعرفت على شخص ومارست معه مرة واحده فقط ولم نستمر
ووجدت نفسى ادخل المواقع الاباحيه وتركزت عيناى على مواصفات معينه لم تكن كلها بصاحبى وعاد صاحبى من السفر ومارسنا سويا لكننى لم انسجم لان ما رايته فى المواقع كنت اتمنى ان اراه فيه وقد خذلنى دون ان يدرى
ومازالت احتاج ذلك جدا على الرغم من انى متزوج
ومازالت ابحث عن ما اريد دون جدوى حتى الان
ما الحل لو سمحتم


#9

مرحبا احبابي في منتدى اهواء …ممكن تساعدوني كيف استخدم الممنتدى لان مش عارفه اطرح كتابة موضوع…ولا توجد صفحه رئيسيه .


#10

نتمنى يوجد قسم للدردشه والتعارف اكثر فنحن بحاجة الى من يكمل حياتنا ونحتاج الى تقارب اكثر مع المثليين بدول العالم نحتاج دردشه متميزه وسهله…ونرجو ايضا ان تكون هنا صفحه للفنون والرسومات الفنيه…وشكرا


#11

اطروحة رائعة وجديرة بالمتابعة ومنها ارتياح النقس المعذبة في فكرة الشعور بالذنب
وحرية الفرد هى الطريق الامثل لاشباع ميوله ان كان مثلى او مغاير انما هي
علاقات تنم عن حب من ترغب في متابعة بحب واشتياق وهذا الطرح جاوب
علي كل سؤال ممكن يكون مر بخواطركم ولك تحياتى صاحب الاطروحة
الرائعة


#12

بدي حدا يكون شريكي


#13

المشكله انك تتعود على شخص معين وبعد كده يحصل فراق


#14

هده قيود ضروري ولا حنكون متل كلاب فهده قيود انزله رب عالمين الدي يعرف مصلحتك اكتر من نفسك فانت عقلك قاصر لايفهم حكممة من هده قيود فهي رحمة بينا


#15

هده قيود ضروري ولا حنكون متل كلاب فهده قيود انزله رب عالمين الدي يعرف مصلحتك اكتر من نفسك فانت عقلك قاصر لايفهم حكممة من هده قيود فهي رحمة بينا


#16

غزعبلات سفهاء حمقى ومغفلين


#17

غزعبلات سفهاء حمقى ومغفلين


#18

ممكن تكون مشكلتى نفس مشكلتك


#19

الصراحة وعدم الخوف منها داواء لكل داء نفسي


#20

:smile: